يلحقها من ضر في الأبدان كما قال تعالى : (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) [البقرة : ١٩١] أي وفتنة الإخراج من بلدهم أشد عليهم من القتل.
واستثناء (إِلَّا قَلِيلاً) لتأكيد نفي المجاورة وأنه ليس جاريا على طريقة المبالغة أي لا يبقون معك في المدينة إلّا مدة قليلة ، وهي ما بين نزول الآية والإيقاع بهم. و (قَلِيلاً) صفة لمحذوف دلّ عليه (يُجاوِرُونَكَ) أي جوارا قليلا ، وقلته باعتبار مدة زمنه. وجعله صاحب «الكشاف» صفة لزمن محذوف فإن وقوع ضميرهم في حيز النفي يقتضي إفرادهم ، وعموم الأشخاص يقتضي عموم أزمانها فيكون منصوبا على الوصف لاسم الزمان وليس هو ظرفا.
و (مَلْعُونِينَ) حال مما تضمنه (قَلِيلاً) من معنى الجوار. فالجوار مصدر يتحمل ضمير صاحبه لأن أصل المصدر أن يضاف إلى فاعله ، والتقدير : إلا جوارهم ملعونين. وجعل صاحب «الكشاف» (مَلْعُونِينَ) مستثنى من أحوال بأن يكون حرف الاستثناء دخل على الظرف والحال كما في قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) [الأحزاب : ٥٣]. وبون ما بين هذا وبين ما نظره به لأن ذلك مشتمل على ما يصلح مجيء الحال منه. والوجه هنا هو ما سلكناه في تقدير نظمه.
واللعن : الإبعاد والطرد. وتقدم قوله تعالى : (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ) في سورة الحجر [٣٥] ، وهو مستعمل هنا كناية عن الإهانة والتجنب في المدينة ، أي يعاملهم المسلمون بتجنبهم عن مخالطتهم ويبتعدون هم من المؤمنين اتقاء ووجلا فتضمن أن يكونوا متوارين مختفين خوفا من بطش المؤمنين بهم حيث أغراهم النبي صلىاللهعليهوسلم ، ففي قوله : (مَلْعُونِينَ) إيجاز بديع.
وقوله : (أَيْنَما ثُقِفُوا) ظرف مضاف إلى جملة وهو متعلق ب (مَلْعُونِينَ) لأن (مَلْعُونِينَ) حال منهم بعد صفتهم بأنهم في المدينة ، فأفاد عموم أمكنة المدينة. و (أَيْنَما) : اسم زمان متضمن معنى الشرط. والثقف : الظفر والعثور على العدوّ بدون قصد. وقد مهّد لهذا الفعل قوله : (مَلْعُونِينَ) كما تقدم.
ومعنى (أُخِذُوا) أمسكوا. والأخذ : الإمساك والقبض ، أي أسروا ، والمراد : أخذت أموالهم إذ أغرى الله النبي صلىاللهعليهوسلم بهم.
والتقتيل : قوة القتل. والقوة هنا بمعنى الكثرة لأن الشيء الكثير قوي في أصناف