والسادة : جمع سيّد. قال أبو علي : وزنة فعلة ، أي مثل كملة لكن على غير قياس لأن صيغة فعلة تطّرد في جمع فاعل لا في جمع فيعل ، فقلبت الواو ألفا لانفتاحها وانفتاح ما قبلها. وأما السادات فهو جمع الجمع بزيادة ألف وتاء بزنة جمع المؤنث السالم. والسادة : عظماء القوم والقبائل مثل الملوك.
وقرأ الجمهور (سادَتَنا). وقرأ ابن عامر ويعقوب ساداتنا بألف بعد الدال وبكسر التاء لأنه جمع بألف وتاء مزيدتين على بناء مفرده. وهو جمع الجمع الذي هو سادة.
والكبراء : جمع كبير وهو عظيم العشيرة ، وهم دون السادة فإن كبيرا يطلق على رأس العائلة فيقول المرء لأبيه : كبيري ، ولذلك قوبل قولهم : (يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) [الأحزاب : ٦٦] بقولهم : (أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا).
وجملة (إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) خبر مستعمل في الشكاية والتذمر ، وهو تمهيد لطلب الانتصاف من سادتهم وكبرائهم. فالمقصود الإفضاء إلى جملة (رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ). ومقصود من هذا الخبر أيضا الاعتذار والتنصل من تبعة ضلالهم بأنهم مغرورون مخدوعون ، وهذا الاعتذار مردود عليهم بما أنطقهم الله به من الحقيقة إذ قالوا : (إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا) فيتجه عليهم أن يقال لهم : لما ذا أطعتموهم حتى يغروكم ، وهذا شأن الدهماء أن يسوّدوا عليهم من يعجبون بأضغاث أحلامه ، ويغرّون بمعسول كلامه ، ويسيرون على وقع أقدامه ، حتى إذا اجتنوا ثمار أكمامه ، وذاقوا مرارة طعمه وحرارة أوامه ، عادوا عليه باللائمة وهم الأحقاء بملامه.
وحرف التوكيد لمجرد الاهتمام لا لرد إنكار ، وتقديم قولهم : (إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا) اهتمام بما فيه من تعليل لمضمون قولهم : (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) لأن كبراءهم ما تأتّى لهم إضلالهم إلا بتسبب طاعتهم العمياء إياهم واشتغالهم بطاعتهم عن النظر والاستدلال فيما يدعونهم إليه من فساد وو خامة مغبّة. وبتسبب وضعهم أقوال سادتهم وكبرائهم موضع الترجيح على ما يدعوهم إليه الرسول صلىاللهعليهوسلم.
وانتصب (السَّبِيلَا) على نزع الخافض لأن أضل لا يتعدّى بالهمزة إلا إلى مفعول واحد قال تعالى : (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ) [الفرقان : ٢٩]. وظاهر «الكشاف» أنه يتعدّى إلى مفعولين ، فيكون (ضل) المجرد يتعدى إلى مفعول واحد. تقول : ضللت الطريق ، و (أضل) يتعدى بالهمزة إلى مفعولين. وقاله ابن عطية.