أصل النوع كقوله تعالى : (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) [الرعد: ٤] ولما في ذلك الاختلاف من الأسرار المقتضية إياه. ووقع في الإصحاح الحادي عشر من «سفر التكوين» ما يوهم ظاهره أن اختلاف الألسن حصل دفعة واحدة بعد الطوفان في أرض بابل وأن البشر تفرقوا بعد ذلك. والظاهر أنه وقع في العبارة تقديم وتأخير وأن التفرق وقع قبل تبلبل الألسن. وقد علل في ذلك «الإصحاح» بما ينزه الله عن مدلوله.
وقيل : أراد باختلاف الألسنة اختلاف الأصوات بحيث تتمايز أصوات الناس المتكلمين بلغة واحدة فنعرف صاحب الصوت وإن كان غير مرئي. وأما اختلاف ألوان البشر فهو آية أيضا لأن البشر منحدر من أصل واحد وهو آدم ، وله لون واحد لا محالة ، ولعله البياض المشوب بحمرة ، فلما تعدد نسله جاءت الألوان المختلفة في بشراتهم وذلك الاختلاف معلول لعدة علل أهمها المواطن المختلفة بالحرارة والبرودة ، ومنها التوالد من أبوين مختلفي اللون مثل المتولد من أم سوداء وأب أبيض ، ومنها العلل والأمراض التي تؤثر تلوينا في الجلد ، ومنها اختلاف الأغذية ولذلك لم يكن اختلاف ألوان البشر دليلا على اختلاف النوع بل هو نوع واحد ، فللبشر ألوان كثيرة أصلاها البياض والسواد ، وقد أشار إلى هذا أبو علي ابن سينا في «أرجوزته» في الطب بقوله :
بالزنج حرّ غيّر الأجساد |
|
حتى كسا بياضها سوادا |
والصقلب اكتسبت البياضا |
|
حتى غدت جلودها بضاضا |
وكان أصل اللون البياض لأنه غير محتاج إلى علة ولأن التشريح أثبت أن ألوان لحوم البشر التي تحت الطبقة الجلدية متحدة اللون. ومن البياض والسواد انشقت ألوان قبائل البشر فجاء منها اللون الأصفر واللون الأسمر واللون الأحمر. ومن العلماء وهو كوقيي (١) جعل أصول ألوان البشر ثلاثة : الأبيض والأسود والأصفر ، وهو لون أهل الصين. ومنهم من زاد الأحمر وهو لون سكان قارة أمريكا الأصليين المدعوين هنود أمريكا. واعلم أن من مجموع اختلاف اللغات واختلاف الألوان تمايزت الأجذام البشرية واتحدت مختلطات أنسابها. وقد قسموا أجذام البشر الآن إلى ثلاثة أجذام أصلية وهي الجذم القوقاسي الأبيض ، والجذم المغولي الأصفر ، والجذم الحبشي الأسود ، وفرعوها إلى ثمانية وهي الأبيض والأسود والحبشي والأحمر والأصفر والسّامي والهندي والملايي
__________________
(١) كوقيي : عالم طبيعي فرنسي ولد سنة ١٧٦٩ وتوفى سنة ١٨٣٢.