مرئيا أن ذلك يثير في النفوس خوفا من أن يكون الله سلطه عقابا وطمعا في أن يكون أراد به خيرا للناس فيطمعون في نزول المطر ، ولذلك أعقبه بقوله (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً) فإن نزول المطر مما يخطر بالبال عند ذكر البرق.
وقوله (مِنْ آياتِهِ) جار ومجرور يحتاج إلى تقدير كون إن كان ظرفا مستقرا ، أو إلى متعلّق إن كان ظرفا لغوا. وموقع هذا الجار والمجرور في هذه الآية وارد على مثل مواقع أمثاله في الآيات السابقة واللاحقة الشبيهة بها ، وذلك مما يدعو إلى اعتبار ما يذكر بعد الجار والمجرور في معنى مبتدأ مخبر عنه بالجار والمجرور المقدم عليه حملا على نظائره ، فيكون المعنى : ومن آياته إراءته إياكم البرق إلخ. فلذلك قال أئمة النحو : يجوز هنا جعل الفعل المضارع بمعنى المصدر من غير وجود (أن) ولا تقديرها ، أي من غير نصب المضارع بتقدير (أن) محذوفة ، وجعلوا منه قول عروة بن الورد :
وقالوا ما تشاء فقلت ألهو |
|
إلى الإصباح آثر ذي آثار |
وقول طرفة :
ألا أيهذا الزاجري احضر الوغى
وجعلوا منه قوله تعالى (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) [الزمر : ٦٤] برفع (أَعْبُدُ) في مشهور القراءات ، وقولهم في المثل : تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه ، وقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «كلّ يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة ، وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو تحمل عليها متاعه صدقة» وقوله فيه : «وتميط الأذى عن الطريق صدقة» رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
ومن بديع الاستعمال تفنن هذه الآيات في التعبير عن معاني المصدر بأنواع صيغه الواردة في الاستعمال ، من تعبير بصيغة صريح المصدر تارة كقوله (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الروم : ٢٢] وقوله (وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) [الروم : ٢٣] ، وبالمصدر الذي ينسبك من اقتران (أَنْ) المصدرية بالفعل الماضي (أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) [الروم : ٢١] واقترانها بالفعل المضارع (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) [الروم : ٢٥] ، وباسم المصدر تارة (وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [الروم : ٢٣] ومرة بالفعل المجرد المؤوّل بالمصدر (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ).
ولك أن تجعل المجرور متعلقا ب (يُرِيكُمُ) وتكون (مِنْ) ابتدائية في موضع الحال من البرق ، وتكون جملة (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) معطوفة على جملة (وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ