قائمة الکتاب
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) إلى (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)
٤٦31 ـ سورة لقمان
32 ـ سورة السجدة
أغراض السورة
٤٠33 ـ سورة الأحزاب
إعدادات
تفسير التّحرير والتّنوير [ ج ٢١ ]
تفسير التّحرير والتّنوير [ ج ٢١ ]
المؤلف :الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور
الموضوع :القرآن وعلومه
الناشر :مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الصفحات :359
تحمیل
الْقَيِّمُ). فالإسلام عام خالد مناسب لجميع العصور وصالح بجميع الأمم ، ولا يستتب ذلك إلا إذا بنيت أحكامه على أصول الفطرة الإنسانية ليكون صالحا للناس كافة وللعصور عامة وقد اقتضى وصف الفطرة أن يكون الإسلام سمحا يسرا لأن السماحة واليسر مبتغى الفطرة.
وفي قوله (الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) بيان لمعنى الإضافة في قوله (فِطْرَتَ اللهِ) وتصريح بأن الله خلق الناس سالمة عقولهم مما ينافي الفطرة من الأديان الباطلة والعادات الذميمة ، وأن ما يدخل عليهم من الضلالات ما هو إلا من جرّاء التلقي والتعود ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يولد الولد على الفطرة ثم يكون أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصّرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسّون فيها من جدعاء» ، أي كما تولد البهيمة من إبل أو بقر أو غنم كاملة جمعاء أي بذيلها ، أي تولد كاملة ويعمد بعض الناس إلى قطع ذيلها وجدعه وهي الجدعاء ، و (تحسون) تدركون بالحس ، أي حاسّة البصر. فجعل اليهودية والنصرانية مخالفة الفطرة ، أي في تفاريعهما. وفي «صحيح مسلم» أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال فيما يرويه عن ربه : «وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ـ أي غير مشركين ـ وأنهم أتتهم الشياطين فأجالتهم عن دينهم وحرّمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا» الحديث (١).
وجملة (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) مبيّنة لمعنى (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) فهي جارية مجرى حال ثالثة من (الدِّينُ) على تقدير رابط محذوف. والتقدير : لا تبديل لخلق الله فيه ، أي في هذا الدين ، فهو كقوله في حديث أم زرع في قول الرابعة : زوجي كليل تهامة لا حرّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سآمة أي في ذلك الليل.
فمعنى (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) أنه الدين الحنيف الذي ليس فيه تبديل لخلق الله خلاف دين أهل الشرك ، قال تعالى عن الشيطان : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) [النساء : ١١٩]. ويجوز أن تكون جملة (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) معترضة لإفادة النهي عن تغيير خلق الله فيما أودعه الفطرة. فتكون (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) خبرا مستعملا في معنى النهي على وجه المبالغة كقوله (لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٢٩]. فنفي الجنس مراد به جنس من التبديل خاص بالوصف لا نفي وقوع جنس التبديل فهو من العام المراد به الخصوص
__________________
(١) أخرجه مسلم في صفة أهل الجنة من كتاب «الجنة والنار». وهو حديث طويل.