(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) [لقمان : ١٤] في أثناء كلام لقمان يساعد هذا القول.
وذكر أهل التفسير والتاريخ أنه كان في زمن داود. وبعضهم يقول : إنه كان ابن أخت أيوب أو ابن خالته ، فتعين أنه عاش في بلاد إسرائيل. وذكر بعضهم أنه كان عبدا فأعتقه سيده ، وذكر ابن كثير عن مجاهد : أن لقمان كان قاضيا في بني إسرائيل في زمان داود عليهالسلام ، ولا يوجد ذكر ذلك في كتب الإسرائيليين. قيل كان راعيا لغنم وقيل كان نجارا وقيل خياطا. وفي «تفسير ابن كثير» عن ابن وهب أن لقمان كان عبدا لبني الحسحاس وبنو الحسحاس من العرب وكان من عبيدهم سحيم العبد الشاعر المخضرم الذي قتل في مدة عثمان.
وحكمة لقمان مأثورة في أقواله الناطقة عن حقائق الأحوال والمقرّبة للخفيات بأحسن الأمثال. وقد عني بها أهل التربية وأهل الخير ، وذكر القرآن منها ما في هذه السورة ، وذكر منها مالك في «الموطأ» بلاغين في كتاب «الجامع» وذكر حكمة له في كتاب «جامع العتبية» وذكر منها أحمد بن حنبل في «مسنده» ولا نعرف كتابا جمع حكمة لقمان. وفي «تفسير القرطبي» قال وهب بن منبه : قرأت من حكمة لقمان أرجح من عشرة آلاف باب. ولعل هذا إن صح عن وهب بن منبه كان مبالغة في الكثرة.
وكان لقمان معروفا عند خاصة العرب. قال ابن إسحاق في «السيرة» : قدم سويد بن الصامت أخو بني عمرو بن عوف مكة حاجّا أو معتمرا فتصدى له رسول الله صلىاللهعليهوسلم فدعاه إلى الإسلام فقال له سويد : فلعل الذي معك مثل الذي معي؟ فقال له رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : وما الذي معك؟ قال : مجلة لقمان. فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اعرضها عليّ ، فعرضها عليه ، فقال : إن هذا الكلام حسن والذي معي أفضل من هذا قرآن أنزله الله. قال ابن إسحاق : فقدم المدينة فلم يلبث أن قتلته الخزرج وكان قتله قبل يوم بعاث. وكان رجال من قومه يقولون : إنّا لنراه قد قتل وهو مسلم وكان قومه يدعونه الكامل ا ه. وفي «الاستيعاب» لابن عبد البر : أنا شاكّ في إسلامه كما شك غيري. وقد تقدم في صدر الكلام على هذه السورة أن قريشا سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن لقمان وابنه وذلك يقتضي أنه كان معروفا للعرب. وقد انتهى إليّ حين كتابة هذا التفسير من حكم لقمان المأثورة ثمان وثلاثون حكمة غير ما ذكر في هذه الآية وسنذكرها عند الفراغ من تفسير هذه الآيات.
والإيتاء : الإعطاء ، وهو مستعار هنا للإلهام أو الوحي.
و (لُقْمانَ) : اسم علم مادته مادة عربية مشتق من اللّقم ، والأظهر أن العرب عربوه