دائم الصيام ، كان يصلي كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة. دعي إلى أن يقول «لفظي بالقرآن مخلوق» فأبى ، فمنع من التحدث بدمشق ، فسافر إلى مصر فأقام بها إلى أن مات.
قال تاج الدين الكندي : رأيت ابن ناصر والحافظ أبا العلاء الهمذاني وغيرهما من الحفاظ ، فما رأيت أحفظ من عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي. وله مصنفات مشهورة.
من أهل جيلان. أحد الأئمة الأعلام ، صاحب الكرامات الظاهرة. قدم بغداد في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ، وله ثماني عشرة سنة ، فقرأ الفقه على أبي الوفاء بن عقيل وأبي الخطاب الكلوذاني ، وسمع الحديث من أبي غالب محمد بن الحسن الباقلاني وأبي سعد محمد بن عبد الكريم بن خشيش وأبي عثمان إسماعيل بن محمد بن مسلمة (٢) الأصبهاني في آخرين ، وقرأ الأدب على أبي زكريا التبريزي ، ثم لازم الانقطاع والخلوة والرياضة والمجاهدة ، وصحب الشيخ حماد الدباس وأخذ عنه علم الطريقة ؛ ثم إن الله تعالى أظهره للخلق وأظهر الله الحكمة في قلبه على لسانه ، وظهرت علامات من الله تعالى وأمارات ولايته. وحدث وصنف ، وله الكلام المليح في الحقيقة ، فمنه قوله : «الخلق حجابك عن نفسك ، ونفسك حجابك عن ربك ، ما دمت ترى الخلق لا ترى نفسك ، وما دمت ترى نفسك لا ترى ربك». وقال : «الأولياء عرائس الله تعالى ، لا يطلع عليهم إلا ذا محرم».
سمعت عبد العزيز بن عبد الملك الشيباني يقول : سمعت عبد الغني بن عبد الواحد يقول : سمعت أبا محمد بن الخشاب النحوي يقول : كنت ـ وأنا شاب أقرأ النحو ـ أسمع الناس يصفون الشيخ عبد القادر ويذكرون حسن كلامه في مجالس وعظه ، فكنت أريد أن أسمعه ولا يتسع وقتي لذلك ؛ واتفق يوما أن حضرت مجلسه مع الناس ، فلما تكلم لم أستحسن كلامه ولم أفهمه ، وقلت في نفسي : ضاع النحو مني! قال : فالتفت الشيخ إلى الجهة التي كنت فيها وقال : ويلك! تفضل الاشتغال بالنحو على مجالس الذكر وتختار ذلك؟ أصحبتنا تصيرك سيبويه؟.
__________________
(١) انظر فوات الوفيات ٢ / ٤ ـ ٦. وشذرات الذهب ٤ / ١٩٨. والعبر ٤ / ١٧٥. ومرآة الجنان ٣ / ٣٤٧. والمنتظم ١٨ / ١٧٣.
(٢) في الأصل : «بن ملة».