وسألته الإذن لأم جعفر في الحج ، فأذن لها ، وألبستها أم جعفر البدنة الأموية. وابتنى بها في ليلته وأوقد في تلك الليلة شمعة عنبر فيها أربعون منا في تور ذهب ، وأقام المأمون عند الحسن بن سهل سبعة عشر يوما ، وكان مبلغ ما أنفق ابن سهل على المأمون وعسكره خمسين ألف ألف درهم ، وأمر المأمون بعد انصرافه أن يدفع إلى الحسن عشرة آلاف ألف من مال فارس. وأقطعه الصلح ؛ فحملت إليه على المكان. وكانت [...] (١) فجلس الحسن ففرقها في قوّاده وحشمه وأصحابه. ويقال : إن الحسن كتب رقاعا فيها اسماء ضياعه ونثرها على القواد وعلى بني هاشم ، فمن وقعت في يده رقعة منها فيها اسم ضيعة بعث فتسلمها. لما بنى المأمون على بوران ، فرش له حصير من ذهب مسقوف ، ونثر عليه جواهر ، فجعل بياض الدر يشرق على صفرة الذهب وما مسّه أحد. فوجه الحسن إلى المأمون : هذا نثار يجب أن يلقط ، فقال المأمون لمن حوله من بنات الخلفاء : شرفن أبا محمد ، فمدت كل واحدة منهن يدها ، فأخذت درة وبقي باقي الدّر يلوح على الذهب حصير. فقال المأمون : قاتل الله أبا نواس حيث يقول :
كأن صغري وكبري من فواقعها |
|
حصباء درّ على أرض من الذهب |
فكيف لو رأى هذا معاينة! وكان أبو نواس في هذا الوقت قد مات لما دخل المأمون على بوران أراد أن يقبضها ، فلما كاد مشت فقالت : أتى أمر الله فلا تستعجلوه! ففهم المأمون قولها فوثب عنها. ومن شعر بوران بنت الحسن بن سهل ترثي المأمون :
أسعداني على البكا مقلتيا |
|
صرت بعد الإمام للهم فيّا |
كنت أسطو على الزمان فلما |
|
مات صار الزمان يسطو عليّا |
مولدها في صفر سنة اثنتين وتسعين ومائة ، وتوفيت في ربيع الأول سنة إحدى وسبعين ومائتين ببغداد ، وقد بلغت من السن ثمانين سنة.
سمعت طراد الزينبي والحسين بن أحمد بن أحمد بن محمد النعالي ، وهي آخر من
__________________
(١) مكان النقط ممسوح في الأصل ، وفي تاريخ الطبري ١٠ / ٢٧٢. «وكانت معدة عند غسان بن وعياد».
(٢) انظر : شذرات الذهب ٤ / ٢٥٠. والعبر ٤ / ٢٢٣.