ودفن في هذا اليوم في مقبرة باب أبرز.
نشأ أبو محمد هذا في طلب الحديث وسماعه ، أسمعه والده في صباه من أبي الفتح عبيد الله بن شاتيل وأبي السعادات نصر الله بن عبد الرحمن القزاز وأبي المعالي الفراوي ، وكتب عن أقرانه ، وبالغ في الطلب بهمة عالية ، وحرص وعناية شديدة. وقرأ بنفسه الكثير ، وكتب بخطه ، واستكتب بخط غيره. سمعت معه وبقراءته ، وكان عنده حفظ ومعرفة بالحديث وأسماء الرجال والتواريخ ، ويكتب خطا مليحا ، وينقل نقلا صحيحا. وكان حسن الأخلاق ، وطيب المجالسة ، حلو المعاشرة ، ظريفا كيّسا متوددا متواضعا ، إلا أنه كان ضجورا ملولا ، محبا للعب والمزاح ، مخالطا لغير أبناء جنسه ، وضيّع أصوله بيعا وهبة ، ولم يزل يسمع معنا إلى أن سافر في أوائل سنة ست وتسعين وخمسمائة إلى الشام ، فسمع بالموصل وبلاد الجزيرة ودخل الشام ، فسمع بحلب ودمشق.
أنشدني يوسف بن خليل الدمشقي بحلب قال : أنشدني أبو محمد جعفر بن محمد ابن أحمد العباسي لنفسه :
إن ضاقت الشام بي أو ملّ ساكنها |
|
بها مقامي ففي أرض العراق سعة |
ما لي وللمكث في أرض أذل بها |
|
وهمتي في طلاب العز مرتفعة |
والمرء يضطر أحيانا فيصنع ما |
|
لو لم يكن منه مضطرا لما صنعه |
الله ربي معي حيث اتجهت ولن |
|
يضيع من هو في كل البلاد معه |
مولده في ليلة الأربعاء رابع عشرين صفر سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة وتوفي يوم الاثنين العشرين من ذي الحجة سنة ثمان وتسعين وخمسمائة بحماة ، ودفن بها.
أوصى جعفر بن محمد العباسي عند موته أن يكتب على قبره «حوائج لم تقض ، وآمال لم تنل ، وأنفس ماتت بحسراتها» ـ رحمهالله تعالى عنه وكرمه ، آمين.
__________________
(١) انظر : طبقات القراء للجزرى ١ / ٢٠٤. وشذرات الذهب ٤ / ٢٣١. والمنتظم ، لابن الجوزي ١٨ / ٢٠٨ ، ٢٠٩.