وأخذ خطوطهم فيه بذلك ، وقدم به ديار مصر ، فعلم ابن دحية بذلك ، فاشتكى إلى السلطان منه وقال : هذا يأخذ عرضي ويؤذيني! فأمر السلطان بالقبض عليه ، وضرب ، وأشهر على حمار وأخرج من ديار مصر ، وأخذ ابن دحية المحضر وخرقه.
وبنى له السلطان الملك الكامل دارا للحديث.
وكان حافظا ماهرا عالما بقيود الحديث ، فصيح العبارة ، تام المعرفة بالنحو واللغة ، وكان ظاهري المذهب ، كثير الوقيعة في السلف ، خبيث اللسان ، أحمق ، شديد الكبر ، قليل النظر في الأمور الدينية ، متهاونا في دينه.
قال الحافظ أبو الحسن بن علي بن المفضل المقدسي : كنا يوما بحضرة السلطان في مجلس عام وهناك ابن دحية ، فسألني السلطان عن حديث فذكرته له ، فقال لي : من رواه؟ فلم يحضرني إسناده وانفصلنا ، فاجتمع بي ابن دحية وقال لي : يا فقيه! لما سألك السلطان عن إسناد ذاك الحديث ، لم لم تذكر له أي إسناد شئت؟ فإنه ومن حضر مجلسه لا يعلمون هل هو صحيح أم لا! وكنت قد ربحت قولك «لا أعلم» ، وعظمت في عينه ، قال : فعلمت أنه جرئ على الكذب.
أنشدني أبو المحاسن محمد بن نصر عرف بابن عنين لنفسه بدمشق يهجو ابن دحية :
دحية لم يعقب فلم تعتزي |
|
إليه بالبهتان والإفك |
|
||
ما صح عند الناس شيء سوى |
|
أنك من كلب بلا شك |
توفي ابن دحية بالقاهرة في ليلة رابع عشر ربيع الأول من سنة ثلاث وثلاثين وستمائة ، وقد نيف على الثمانين. وكان يخضب بالسواد ـ قدس الله [روحه] (١).
ابن أخي الشيخ أبي النجيب. كان شيخ وقته في علم الحقيقة وطريقة التصوف ، وإليه انتهت الرئاسة في تربية المريدين وتسليك طريق العبادة والزهد في الدنيا.
__________________
ـ الشيوخ ، وأقر العبارة والأسانيد ورجال الحديث والجرح والتعديل ، وكان موصوفا بالثقة والعدالة والصداقة والاعتناء التام».
(١) ما بين المعقوفتين ليست في الأصل.
(٢) انظر : وفيات الأعيان ٣ / ١١٩. وشذرات الذهب ٥ / ١٥٣. وطبقات الشافعية للسبكي ٥ / ١٤٣. والأعلام ٥ / ٢٢٣. ومرآة الجنان ٤ / ٧٩. وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٢ / ١٠٣.