من أهل طوس ، إمام الفقهاء على الإطلاق ، ورباني الأمة بالاتفاق ، ومجتهد زمانه وعين وقته وأوانه ، ومن شاع ذكره في البلاد واشتهر فضله بين العباد ؛ قرأ في صباه طرفا من الفقه ببلده على أحمد الرادكاني (٢) ، ثم سافر إلى جرجان إلى أبي نصر الإسماعيلي ، وعلق عنه التعليق ، وعاد إلى نيسابور فلازم الإمام أبا المعالي الجويني ، وجد واجتهد حتى برع في المذهب والأصول والخلاف والمنطق ، وقرأ الحكمة والفلسفة ، وفهم كلام أرباب هذا العلم ، وتصدى للرد عليهم وإبطال ما ادعوه ، وصنف في كل فن من هذه العلوم كتبا أحسن تأليفها وأجاد ترتيبها وترصيفها.
توفي في يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة سنة خمس وخمسمائة ، وقبره بظاهر الطابران قصبة طوس.
كان والده من أولاد الترك ، وقد رأيت بخطه في كتاب أشهد عليه فيه المعدلين محمود بن أبي منصور الناصر استوري (٤) ـ ويعرف بمحمد ـ بن تكسين ـ ويعرف بعلي ـ المضافري التركي الحر ، ولم يكتب لهم هذا النسب في سماع قط ، توفي والده وهو صغير فكفله جده لأمه أبو حكيم الخبري الفرضي ، وأسمعه في صباه شيئا من الحديث يسيرا ، وأشغله بحفظ القرآن والتفقه على مذهب الشافعي ؛ ثم إنه صحب أبا زكريا التبريزي وقرأ عليه الأدب ، وجدّ في طلب الحديث ، وصحب أبا منصور بن الجواليقي في قراءة الأدب وسماع الحديث ، ثم إنه خالط الحنابلة ومال إليهم ، وانتقل (٥) عن مذهب الشافعي إلى مذهب ابن حنبل ، وكان إماما حافظا صحيح النقل والضبط ؛ سمع أبا القاسم علي بن أحمد بن البسري وأبا طاهر محمد بن أبي الصقر الأنباري وأبا عبد الله مالك البانياسي وأبا محمد رزق الله التميمي وأبا الفوارس طراد الزينبي وأبا الخطاب نصر بن البطر وأبا محمد جعفر بن أحمد السراج. وكانت له إجازات قيمة
__________________
(١) انظر : وفيات الأعيان ١ / ٤٦٣. وطبقات الشافعية ٤ / ١٠١. وشذرات الذهب ٤ / ١٠. ومفتاح السعادة ٢ / ١٩١ ـ ٢١٠. وآداب اللغة ٣ / ٧٩. واللباب ٢ / ١٧٠. والأعلام ٧ / ٢٢.
(٢) في الأصل : «الداركاني».
(٣) انظر : وفيات الأعيان ٣ / ٤٢٠.
(٤) هكذا في الأصل.
(٥) في الأصل : «فكفلته».