بلاد الإسلام ، ثم صعد إلى دمشق ودخل ديار (١) مصر ـ كل هذه البلاد يكتب بها الحديث في إحدى عشرة سنة ـ فلما وصل إلى الإسكندرية رآه كبراؤها وفضلاؤها ، فاستحسنوا علمه وأخلاقه وآدابه ، فأكرموه ، ثم بعث إلى أصبهان فجاء يكتبه إليه.
وسمعته يقول : كنت أسمع الحديث بالحريم ، فسمعت ليلة ثم جئت إلى مسجد ، فوضعت الكيس الذي فيه الأجزاء تحت رأسي ، فوقع عليّ شيء ثقيل يشبه الكابوس ، فجعل يكبسني حتى ضاق نفسي ، وقال : أتدري أيش صنعت؟ تضع أحاديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم تحت رأسك؟ قال : فقمت فنحيت الكيس ، ووضعت تحت رأسي آجرة ، وجعلت الكيس في حضني ونمت ، وبلغني أنه في هذه المدة التي كان بالإسكندرية ـ وهي ستون سنة ـ ما خرج إلى بستان ولا فرجة غير مرة واحدة ، بل كان عامة دهره لازما بيته ومدرسته ، وما كان ندخل عليه إلا نراه مطالعا في شيء ، وكان حليما متحملا لجفاء الغرباء.
سمعت أبا علي الأوقي بالقدس يقول : سمعت شيخنا أبا طاهر السلفي يقول : لي ستون سنة بالإسكندرية : ما رأيت منارتها إلا من هذه الطاقة ـ وأشار إلى طاقة في غرفة ، وكان يجلس فيها.
قال الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي : مولده ـ شيخنا السلفي الحافظ ـ بعد السبعين والأربعمائة ، ووفاته في ليلة الجمعة الخامس من شهر ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمسمائة. وحدّث قبل بلوغ العشرين ، وكان قدومه الإسكندرية في سنة إحدى عشرة وخمسمائة ، ولم يزل مقصودا للسماع منه والرواية عنه أكثر من ستين سنة ، وكتب بخطه شيئا كثيرا ، وكان أكثر أصوله بخطه.
سمعته يقول : متى لم يكن أصلي بخطي ، لم أفرح به. وكان جيد الضبط ، حسن الخط ، كثير البحث عما يشكل عليه إلى أن يجرده على ما يصح لديه ، رحمة الله عليه.
من أهل مصر ، سمع بمصر جماعة منهم أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي وبكر بن سهل الدمياطي ، وسمع
__________________
(١) في الأصل : «دريا».
(٢) انظر : وفيات الأعيان ١ / ٢٩. ومعجم الأدباء ٤ / ٢٢٤ ـ ٢٣٠.