تقدم في سابق هذه الصورة أو أنه يجب الدفع اليه؟ وجهان : للأول منهما أن تسليمه إنما يكون عن الموكل ، ولا يثبت إقرار الغريم عليه استحقاق غيره لقبض حقه ، ولأن التسليم لا يؤمر به إلا إذا كان مبرءا للذمة ، ومن ثم يجوز لمن عليه الحق الامتناع من تسليمه لمالكه حتى يشهد عليه وليس هنا كذلك ، لأن الغائب يبقى على حجته ، وله مطالبة الغريم بالحق لو أنكر الوكالة ، وللثاني ان هذا التصديق انما اقتضى وجوب التسليم من مال المقر نفسه ، لا من مال الموكل ، وإنكار الغائب لا يؤثر في ذلك ، فلا مانع من نفوذه ، ولعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز.
أقول : ومن أجل ذلك تردد في الشرائع ، وفي التذكرة ذكر الوجه الثاني احتمالا ، ولم يتعرض لذكر الوجه الأول ، فقال : وان كان دينا احتمل وجوب الدفع اليه ، لاعترافه بأنه مستحق للمطالبة ، والفرق بين الدين والعين ظاهر ، فان المدفوع في الدين ليس عين مال الموكل ، وأما العين فإنه عين مال الغير ، ولم يثبت عند الحاكم أنه وكيل ، فلم يكن له أمره بالدفع ، انتهى.
وظاهر المسالك هنا اختيار الوجه الثاني حيث أجاب عن أدلة الوجه الأول بعد ذكر ما نقلناه من أدلة الوجه الثاني المتضمنة للجواب أيضا عن بعض تلك الأدلة ، فقال : وتوقف وجوب التسليم على كونه مبرءا مطلقا ممنوع ، والبراءة هنا بزعمه حاصلة ، والاحتجاج بجواز الامتناع للإشهاد إنما يقتضيه على المدفوع اليه ، وهو ممكن بالنسبة إلى مدعى الوكالة ، فوجوب الدفع هنا أوجه ، انتهى.
ثم إنه لو حضر المالك وأنكر الوكالة فالقول قوله بيمينه ، ويطالب الغريم وان كان ما دفعه الغريم إلى الوكيل موجودا بعينه ، لأن ذلك ليس مال المالك كما تقدمت الإشارة اليه ، وإنما هو من مال الدافع ، لأن الدين لا يتعين إلا بتعيين مستحقة ، أو من يقوم مقامه والحال أن هذا القابض ليس أحدهما
نعم للغريم الرجوع على الوكيل بما دفعه مع بقاء العين أو تلفها بتفريط لا بدونه ، لأنه من حيث تصديقه له على الوكالة فهو أمين عنده ، والأمين لا يضمن