ألا وإنَّكم في أيام أمل من ورائه أجل ، فمن عمل في أيام أمله قبل حضور أجله ، فقد نفعه عمله ، ولم يضرره أجله ، ومن قصَّر في أيام أمله قبل حضور أجله ، فقد خسر عمله ، وضرَّه أجله» (١).
هذه هي نظرة الإمام المرتضى عليهالسلام إلى الدنيا ومتعها ، وهي النظرة التي وجَّه الدين الإسلامي معتنقيه إليها ، شأنه في ذلك شأن سائر الأديان السماوية ، وانطلاقاً من هذه النظرة أعرض الإمام علي عليهالسلام عن مُتع الدنيا وزخارفها ، مكتفياً منها بما هو ضروري لإدامة الحياة ، فلم يعد لها عنده كبير اهتمام ، بل كرَّس جهوده فيها لنيل رضى الله عزوجل ، فقدم فيها العمل الصالح ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، حتى بلغ الدرجة التي لم يصل إليها أحد من هذه الأمة ، ولم يسبقه إليها سوى الرسول المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم.
أثبت بالقول والفعل أنَّ ملذات الحياة الدنيا ومتعها لا تستحق عناية فائقة ، واهتماماً كبيراً ، لأنَّها وسيلة ، وليست غاية .. أجل هي الوسيلة التي تبقي للجسم نشاطه ، وقوته ، وحيويته ، فالمأكولات وسيلة لإمداد الجسم بالطاقة التي يحتاج إليها ، ما لم يبلغ تناولها حد التخمة ، فتصبح مضرة بالجسم ، والملابس وسيلة لستر العورة ، وحفظ الجسد من عوارض الجو وتقلباته ، والمسكن وسيلة للإيواء من الحر والقر ، أمّا الغاية فهي العمل الجاد المخلص ابتغاء وجه الله تعالى وطلب رضاه ، من أجل إسعاد الأمة ، وهداية البشرية ، وإعلاء كلمة الحق ، وبسط العدل ، ونشر الفضيلة في أرجاء المعمورة.
وبإمكان الإنسان أن يشبع رغباته في ملذات الحياة ومتعها ضمن الحدود الشرعية ، عندما تكون الأمة في خير ورفاه ، دون تعدٍّ وتجاوز على حقوق
__________________
(١) نهج البلاغة ١ / ٧٠.