الآخرين .. وبإمكانه ـ أيضاً ـ أن يعيش مكتفياً بما يسد الرمق من طعامه ، بما يستر العورة ، ويحفظ الجسم من ملبسه ، وبما يكفي للإيواء من مسكنه ، فإن كان فضل فلإخوانه المعوزين ، وإلّا فكيف تسمع له إنسانيته ، وأخلاقه الإسلامية بالتلذذ بمتع الحياة وحوله المعوزين؟!. أم كيف يهنأ عيش المرء وهو يرى إلى جانبه الجائعين ، والعراة ، والذين يعيشون تحت السماء لا يؤويهم سقف؟!.
إنَّ النزعة الإنسانية ، والنفس التي هذبها هدي الدين الإسلامي الحنيف ، وصقلتها توجيهات القرآن الكريم ، والسنة المحمدية ، لتأبى إلّا أن ترى الناس كل الناس في خير ، القريب منهم والبعيد ، وأن تواسيهم ، وتجعل الحياة وسيلة لخدمتهم وإسعادهم طاعة لله تعالى ، وطلبا لرضاه.
لقد ضحّى الحبيب المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم من أجل إسعاد الضعفاء ، فاكتفى بأبسط العيش في مأكله ، وملبسه ، ومسكنه ، وكانت الأموال تجبى إليه ، فيوزعها على الفقراء ، ويقدم لهم حقه منها فلا يبقي لنفسه شيئاً ، بل ربما طوى يومه جوعاً ، لأنَّه لم يجد في ذلك اليوم ما يسد به رمقه ، لأنَّه آثر الفقراء على نفسه.
وبهذه السيرة العطرة اقتدى الوصي عليهالسلام ، فآثر الفقراء والمعوزين على نفسه ، وأعرض عن ملذات الحياة الدنيا من أجل إسعادهم ، مؤثراً لهم على نفسه في سبيل الله ، زاهداً في زخارف الدنيا وملذاتها ، وطالما خاطبها : «يا دنيا غرّي غيري» (١) ، كما خاطب الذهب والفضة عندما رآهما مكدّسين في بيت مال البصرة : «يا صفراء ويا بيضاء غرّي غيري» (٢).
وللإمام علي عليهالسلام مع الدنيا أحاديث ، يبيّن زهده فيها ، ويدعو الناس إلى
__________________
(١) أنساب الأشراف : ١٣٢.
(٢) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٢.