الفرار ، يندفع أحدهم فيه فلا يقف ، ولا ينتظر ، ولا يلتفت إلى ورائه ، ليرى إخوانه الذين تبعوه في الفرار ، وكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يدعوهم إليه ، فلم يرجع منهم أحد لنجدته ، حتى أولئك الذين كانوا قريبين منه في آخر الفارين يبلغهم صوته ، ولكن أصمَّهم عن سماع صوته ، ما حل بهم من رعب.
باشر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم القتال بنفسه ، فكُلِمَت شفته ، وكُسِرت رباعيته ، وشجَّت جبهته ، وسالت الدماء على وجهه الشريف ، وتكاثر عليه المشركون يريدون قتله ، وكان الإمام علي عليهالسلام يدافع عنه ، وهو ينادي : «يا علي إكفني هذه الكتيبة». فيحمل عليها ، حتى يردها عنه ، ويصرع أبطالها ، ثم تحمل عليه كتيبة أخرى ، فينتدبه لها ، ولم يزل كذلك حتى قال جبرائيل عليهالسلام : «يا محمد إنَّ هذه لهي المواساة ، وقد عجبت الملائكة من مواساة هذا الفتى». فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «وما يمنعه وهو منّي وأنا منه؟!». فقال جبرائيل عليهالسلام : «وأنا منكما». وسُمِع صوت هاتف ينادي في السماء ـ مراراً ـ : «لا سيف إلّا ذو الفقار ، ولا فتى إلّا علي». فسُئِل عنه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : «هذا جبرائيل».
سَئِم المشركون من حملات الإمام علي عليهالسلام ، ودفعه الكتائب ، ومطاردته الأقران ، وهو يذودهم عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيئسوا من الوصول إليه ، وتمكن هو ومن بقي معه من الصعود إلى الجبل ، للإحتماء به من كيد الأعداء ، وليجمع الجيش الذي شتته الهزيمة ، وعلى سفح جبل اُحد عاد المنهزمون ، وتجمعوا حول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ثانية.
خارت قوى المشركين ، وأيقنوا أنَّ بقاءهم لا يحقق لهم ما يهدفون إليه ، وارتهبوا لتجمع المسلمين من جديد ، وخشوا أن يصل المسلمين مدد من المدينة ، فتدور عليهم الدائرة من جديد ، فعادوا إلى مكة في يأس ، والرعب يملأ قلوبهم