فلما رأى سعد بن معاذ كثرة استشارته ظنّ سعد أنّه يستنطق الأنصار شفقا أن لا يستحوذوا معه ، أو قال : أن لا يستجلبوا معه على ما يريد ، فقال : لعلّك يا رسول الله تخشى أن لا يكون [الأنصار] (١) يريدون مواساتك. ولا يرونها حقّا عليهم ، إلّا بأن يروا عدوّا في بيوتهم وأولادهم ونسائهم. وإنّي أقول عن الأنصار وأجيب عنهم : فاظعن حيث شئت ، وصل حبل من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، وأعطنا ما شئت ، وما أخذته منّا أحبّ إلينا مما تركته علينا. فو الله لو سرحت حتى تبلغ البرك من غمد ذي يمن (٢) لسرنا معك.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : سيروا على اسم الله عزوجل فإنّي قد أريت (٣) مصارع القوم. فعمد لبدر.
وخفض (٤) أبو سفيان فلصق بساحل البحر ، وأحرز ما معه ، فأرسل إلى قريش ، فأتاهم الخبر بالجحفة. فقال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نقدم بدرا فنقيم بها. فكره ذلك الأخنس بن شريق وأشار بالرجعة ، فأبوا وعصوه. فرجع ببني [١٩ ب] زهرة فلم يحضر أحد منهم بدرا. وأرادت بنو هاشم الرجوع فمنعهم أبو جهل (٥).
ونزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أدنى شيء من بدر. ثم بعث عليّا والزّبير
__________________
(١) سقطت من الأصل وأثبتناها من ح.
(٢) في هامش ح : في برك فتح الموحّدة وكسرها ، وفي غمد كسر الغين وفتحها. وقال ياقوت : برك الغماد : بكسر الغين والمعجمة. وقال ابن دريد : بالضم والكسر أشهر ، وهو موضع وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر ، وقيل بلد باليمن. وفي كتاب عياض : برك الغماد : بفتح الباء عن الأكثرين ، وقد كسرها بعضهم وقال : هو موضع في أقاصي أرض هجر. (انظر معجم البلدان ٤ / ٣٩٩ ، ٤٠٠).
(٣) في ع : (رأيت).
(٤) خفض بالمكان : أقام. ولعلّها : حفض. بمعنى : جمع ، أي جمع الإبل وساقها.
(٥) انظر المغازي لعروة ١٣٦.