قالت : ثم غدا عليه ، فقال : أيّها الملك ، إنّهم يقولون في عيسى قولا عظيما. فأرسل إلينا ليسألنا. قالت : ولم ينزل [بنا] (١) مثلها.
فقال : ما تقولون في عيسى؟
فقال جعفر : نقول فيه الّذي جاء به نبيّنا : عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول.
فضرب النّجاشيّ بيده إلى الأرض ، وأخذ منها عودا ، وقال : ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا المقدار.
قال : فتناخرت (٢) بطارقته حين قال ما قال ، فقال : وإن نخرتم والله.
ثم قال لجعفر وأصحابه : اذهبوا آمنين. ما أحبّ أنّ لي دبر (٣) ذهب ، وأنّي اذيت واحدا منكم ـ والدبر بلسان الحبشة : الجبل ـ فردّوا عليهما هديتهما ، فلا حاجة لنا فيها. فو الله ما أخذ الله فيّ الرشوة فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع النّاس فيّ فأطيعهم فيه.
فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به.
قالت : فو الله إنّا لعلى ذلك ، إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في
__________________
(١) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ح ، ع.
(٢) النخر : مدّ الصوت والنفس في الخياشيم ، وقد يكون بمعنى الكلام ، قالا في اللسان والتاج :
جاء في حديث النّجاشيّ لما دخل عليه عمرو والوفد معه ، قال لهم : نخروا أي تكلّموا. قال ابن الأثير كذا فسّر في الحديث ، ولعلّه إن كان عربيا مأخوذ من النّخر أي الصوت. وزاد في اللسان : وفي الحديث أيضا تناخرت بطارقته أي تكلمت : وكأنه كلام مع غضب ونفور (انظر تاج العروس ١٤ / ١٩١).
(٣) في الأصل ، ع : (دير ـ الدير) بالياء في الموضعين والتصحيح من ح. ولم ترد الكلمة في «المعرب» للجواليقي و «شفاء الغليل» للخفاجي ، وأوردها الزبيدي في التاج (دبر). وفي سيرة ابن هشام ٢ / ٨٨ «دبرا من ذهب» ، وحديث النجاشي في تاج العروس ١١ / ٢٥٤ كما في السيرة.