عليه ، وأنّ الملك دعا سحرة فسحروه ونفخوا في إحليله. فتبرّر (١) ولزم البرّيّة ، وهام ، حتى وصل إلى موضع رام أهله أخذه فيه ، فلما قربوا منه فاضت (٢) نفسه ومات.
وقال ابن إسحاق (٣) ، قال الزّهري : حدّثت عروة بن الزّبير حديث أبي بكر عن أمّ سلمة ، فقال : هل تدري ما قوله : ما أخذ الله منّي الرّشوة حين ردّ عليّ ملكي فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع النّاس فيّ فأطيعهم فيه؟ قلت : لا. قال : فإنّ عائشة حدّثتني أنّ أباه كان ملك قومه ، [و] لم يكن له ولد إلّا النّجاشيّ. وكان للنّجاشيّ عمّ ، له من صلبه اثنا عشر رجلا ، وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة. فقالت [الحبشة (٤)] : لو أنّا قتلنا أبا النّجاشيّ وملّكنا أخاه لتوارث بنوه ملكه بعده ، ولبقيت الحبشة دهرا. قالت : فقتلوه وملكوا أخاه. فنشأ النّجاشيّ مع عمّه. وكان لبيبا حازما ، فغلب على أمر عمّه. فلما رأت الحبشة ذلك قالت : إنّا نتخوّف أن يملّكه بعده ، ولئن ملّك ليقتلنا بأبيه. فمشوا إلى عمّه فقالوا : إمّا أن تقتل هذا الفتى ، وإمّا أن تخرجه من بين أظهرنا. فقال : ويلكم! قتلت أباه بالأمس ، وأقتله اليوم؟ بل أخرجه. قال : فخرجوا به فباعوه من تاجر بستمائة (٥) درهم. فانطلق به في سفينة. فلما كان العشيّ ، هاجت سحابة من سحائب الخريف ، فخرج عمّه يستمطر تحتها فأصابته صاعقة فقتلته. ففزعت الحبشة إلى ولده ، فإذا هو محمق (٦)
__________________
(١) التبرّر : الطاعة. يقال : فلان يبر خالقه ويتبرّره ، أي يطيعه ، وهو مجاز ، (تاج العروس ١٠ / ١٥٢).
(٢) وفي نسخة شعيرة «قاصب» من قصبه يقصبه بمعنى قطع (١٦٠).
(٣) سيرة ابن هشام ٢ / ٨٩.
(٤) سقطت من الأصل ، وزدناها من ع ، ح. وفي السيرة (فقالت الحبشة بينهما).
(٥) في السيرة ٢ / ٨٩ «بمائة درهم».
(٦) المحمق : من الرجال ، كالمحمقة من النّساء ، من خرج نسله حمقى.