ليس في ولده خير. فمرج على الحبشة أمرهم (١) وضاق عليهم ما هم فيه. فقال بعضهم لبعض : تعلّموا ، والله ، إنّ ملككم الّذي لا يقيم أمركم غيره للّذي بعتم. قال : فخرجوا في طلبه وطلب الّذي باعوه منه ، حتى أدركوه فأخذوه منه. ثم جاءوا به فعقدوا عليه التّاج وأجلسوه على سرير الملك. فجاء التاجر فقال : إمّا أن تعطوني مالي وإمّا أن أكلّمه في ذلك. فقالوا : لا نعطيك شيئا. قال : إذن والله أكلّمه. قالوا : فدونك. فجاءه فجلس بين يديه ، فقال : أيّها الملك ، ابتعت غلاما من قوم بالسّوق بستمائة درهم ، حتى إذا سرت به أدركوني ، فأخذوه ومنعوني دراهمي. فقال النّجاشيّ : لتعطنّه غلامه أو دراهمه. قالوا (٢) : بل نعطيه دراهمه.
قالت : فلذلك يقول : ما أخذ الله منّي رشوة حين ردّ عليّ ملكي ، فاخذ الرشوة فيه.
وكان ذلك أوّل ما خبر من صلابته في دينه وعدله (٣).
قال ابن إسحاق : وحدّثني يزيد بن رومان ، عن عروة ، عن عائشة قالت : لما مات النّجاشيّ كان يتحدّث أنّه لا يزال على قبره نور.
قال : وحدّثني جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : اجتمعت الحبشة فقالوا للنّجاشيّ : إنّك فارقت ديننا. وخرجوا عليه. فأرسل إلى جعفر وأصحابه. فهيّأ لهم سفنا ، وقال اركبوا فيها ، وكونوا كما أنتم ، فإن هزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم ، وإن ظفرت فأثبتوا. ثم عمد إلى كتاب فكتب : هو يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله [٢٥ ب] ، وأنّ (٤) عيسى
__________________
(١) مرج عليهم الأمر : اضطرب واختلط.
(٢) في الأصل : (قال) وصحّحناها من ع ، ح. ومن السيرة لابن هشام.
(٣) السيرة ٢ / ٩٠.
(٤) في ع ، ح وفي السيرة : ويشهد أنّ.