مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) (١) ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم سعد بن معاذ أن يبعث رهطا ليقتلوا كعبا ، فبعث إليه سعد محمد بن مسلمة وأبا عبس (٢) ، والحارث ابن أخي سعد بن معاذ في خمسة رهط أتوه عشيّة ، وهو في مجلسهم بالعوالي. فلما رآهم كعب أنكرهم وكاد يذعر منهم ، فقال لهم : ما جاء بكم؟ قالوا : جاءت بنا إليك الحاجة. قال : فليدن إليّ بعضكم فليحدّثني بها. فدنا إليه بعضهم فقال : جئناك لنبيعك أدراعا لنا لنستنفق أثمانها.
فقال : والله لئن فعلتم ذلك لقد جهدتم ، قد نزل بكم هذا الرجل. فواعدهم أن يأتوه عشاء حين يهدأ عنهم الناس. فجاءوا فناداه رجل منهم ، فقام ليخرج فقالت امرأته : ما طرقوك ساعتهم هذه لشيء تحبّ. فقال : بل إنّهم قد حدّثوني حديثهم (٣). فاعتنقه أبو عبس ، وضربه محمد بن مسلمة بالسّيف ، وطعنه بعضهم بالسيف في خاصرته. فلما قتلوه فزعت اليهود ومن كان معهم من المشركين. فغدوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين أصبحوا فقالوا : إنّه طرق صاحبنا الليلة وهو سيّد من سادتنا فقتل ، فذكر لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم الّذي كان يقول في أشعاره. ودعاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يكتب بينه وبينهم كتابا ، فكتب بينهم صحيفة. وكانت تلك الصحيفة بعده عند عليّ. أخرجه أبو داود (٤).
__________________
(١) سورة البقرة : من الآية ١٠٩.
(٢) في الأصل : أبا عيسى ، تحريف. وهو أبو عبس بن جبر الحارثي. (تهذيب التهذيب ١٢ / ١٥٦ والاستيعاب ٤ / ١٢٢) ، وفي الإصابة أنه أبو عبيس بن جابر (٤ / ١٣٠).
(٣) الطبقات الكبرى ٢ / ٣٣.
(٤) سنن أبي داود : كتاب الخراج والإمارة والفيء ، باب كيف كان إخراج اليهود من المدينة (٢ / ١٣٨) وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٣٤.