تكلّمه؟ فقال : وما أقول له؟ والتفتّ إلى أميّ فقلت : ألا تكلّمينه؟ فقالت : وما ذا أقول له؟ فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله ثم قلت : أما بعد فو الله لئن قلت لكم أن قد فعلت والله يشهد أنّي لبريئة ما فعلت لتقولنّ قد باءت به على نفسها واعترفت به ، ولئن قلت لم أفعل والله يعلم أنّي لصادقة ما أنتم بمصدّقيّ. لقد دخل هذا في أنفسكم واستفاض فيكم ، وما أجد لي ولكم مثلا إلّا قول أبي يوسف العبد الصالح ، وما أعرف يومئذ اسمه : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) (١).
ونزل الوحي ساعة قضيت كلامي ، فعرفت والله البشر في وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل أن يتكلّم. فمسح جبهته وجبينه ثم قال : أبشري يا عائشة ، فقد أنزل الله عذرك. وتلا القرآن. فكنت أشدّ ما كنت غضبا ، فقال لي أبواي : قومي إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا إيّاكما ولكنّي أحمد الله الّذي برّأني. لقد سمعتم فما أنكرتم ولا جادلتم ولا خاصمتم.
فقال الرجل الّذي قيل له ما قيل ، حين بلغه نزول العذر : سبحان الله ، فو الّذي نفسي بيده ما كشفت قطّ كنف أنثى. وكان مسطح يتيما في حجر أبي بكر ينفق عليه ، فحلف لا ينفع مسطحا بنافعة أبدا. فأنزل الله (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ) إلى قوله (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) (٢). فقال أبو بكر : بلى والله يا ربّ ، إنّي أحبّ أن تغفر [لي] (٣) وفاضت عيناه فبكى ، رضياللهعنه.
وهذا [حديث] عال حسن الإسناد ، أخرجه البخاري تعليقا ، فقال :
__________________
(١) سورة يوسف ـ الآية ١٨.
(٢) سورة النور : من الآية ٢٢.
(٣) ليست في الأصل ، وزدناها من ابن الملا.