المطافيل (١) ، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّا لم نجيء لقتال أحد ولكنّا جئنا معتمرين ، وإنّ قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم فإن شاءوا ماددتهم مدّة ويخلّوا بيني وبين النّاس (٢) ، وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس فعلوا ، وإلّا فقد جمّوا (٣) ، وإن هم أبوا فو الّذي نفسي بيده لأقاتلنّهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي (٤) أو لينفذنّ الله أمره. فقال بديل : سأبلّغهم ما تقول. فانطلق حتى أتى قريشا فقال : إنّا قد جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا ، فإن شئتم نعرضه عليكم فعلنا ، فقال سفهاؤهم : لا حاجة لنا في أن تحدّثنا عنه بشيء. وقال ذوو الرأي منهم : هات ما سمعته. قال : سمعته يقول كذا وكذا. فحدّثهم بما قال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم.
فقام عروة بن مسعود الثّقفي فقال : أي قوم ألستم بالوالد؟ قالوا : بلى. قال : ألست بالولد؟ قالوا : بلى. قال : هل تتّهموني؟ قالوا : لا. قال : ألستم تعلمون أنّي استنفرت أهل عكاظ فلما بلّحوا عليّ (٥) [٥٧ ب] جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا : بلى. قال : فإنّ هذا قد عرض عليكم خطّة رشد ، فاقبلوها ودعوني آته. قالوا : ائته. فأتاه فجعل يكلّم النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فقال نحوا من قوله لبديل. فقال : أي محمد أرأيت إن استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإن تكن الأخرى
__________________
(١) العوذ : الناقة ذات اللبن ، والمطافيل : الأمهات اللاتي معها أطفالها ، والمراد أنهم خرجوا بنسائهم وأولادهم لإرادة طول المقام ليكون أدعى إلى عدم الفرار. (شرح المواهب ٢ / ١٨٧).
(٢) في نهاية الأرب ١٧ / ٢٢٣ إضافة «فإن أظهر» وفي شرح المواهب اللدنيّة ٢ / ١٨٧ ، ١٨٨ «إن شاءوا فإن أظهر».
(٣) جمّوا : استراحوا من جهد الحرب.
(٤) السالفة : صفحة العنق ، وكنّي بانفرادها عن الموت لأنّها لا تنفرد عمّا يليها إلّا بالموت ، وقيل أراد حتى يفرّق بين رأسي وجسدي (التاج).
(٥) بلّحوا عليّ : أبوا وامتنعوا.