عن مسلم بن عبد الله الجهنيّ ، عن جندب بن مكيث (١) الجهنيّ ، قال : بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم غالب بن عبد الله إلى بني الملوّح بالكديد (٢) ، وأمره أن يغير عليهم ، وكنت في سريّته. فمضينا حتى إذا كنّا بقديد (٣) ، لقينا به الحارث بن مالك بن البرصاء اللّيثي ، فأخذناه فقال : إنّي إنّما جئت لأسلم. فقال له غالب : إن كنت إنّما جئت لتسلم فلا يضرّك رباط يوم وليلة ، وإن كنت على غير ذلك استوثقنا منك ، قال : فأوثقه رباطا وخلّف عليه رويجلا أسود ، قال : امكث عليه حتى نمرّ عليك ، فإن نازعك فاحتزّ رأسه ، وأتينا بطن الكديد فنزلناه بعد العصر. فبعثني أصحابي إليه ، فعمدت إلى تلّ يطلعني على الحاضر ، فانبطحت عليه ، وذلك قبل الغروب. فخرج رجل فنظر فرآني منبطحا على التلّ فقال لامرأته ، إنّي لأرى سوادا على هذا التلّ ما رأيته في أوّل النّهار ، فانظري لا تكون الكلاب اجترّت بعض أوعيتك. فنظرت فقالت : والله ما أفقد شيئا. قال : فناولني قوسي وسهمين من نبلي. فناولته فرماني بسهم فوضعه في جبيني ، أو قال : في جبني ، فنزعته فوضعته ولم اتحرّك ، ثم رماني بالآخر ، فوضعه في رأس منكبي ، فنزعته فوضعته ولم اتحرّك. فقال لامرأته : أما والله لقد خالطه سهماي ، ولو كان زائلا لتحرّك ، فإذا أصبحت فابتغي سهميّ فخذيهما ، لا تمضغهما عليّ الكلاب.
قال : ومهلنا حتى راحت روائحهم ، وحتى إذا احتلبوا وعطفوا وذهب عتمة من اللّيل شنّنا عليهم الغارة فقتلنا من قتلنا واستقنا النّعم فوجّهنا قافلين به ، وخرج صريخ القوم إلى قومهم. قال : وخرجنا سراعا حتى نمرّ بالحارث
__________________
(١) مكيث : بفتح الميم وكسر الكاف. (انظر : المشتبه للذهبي ٢ / ٦١١).
(٢) الكديد : موضع على اثنين وأربعين ميلا من مكة ، بين عسفان وأمج. (معجم البلدان ٤ / ٤٤٢) وقيل عين بعد خليص بثمانية أميال لجهة مكة يمنة الطريق.
(٣) قديد : قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة المياه وقيل موضع قرب مكة (معجم البلدان ٤ / ٣١٣).