كيف شاءوا ويأسروننا ، وايم الله ما لمت النّاس ، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق (١) بين السماء والأرض ، والله ما تليق (٢) شيئا ولا يقوم لها شيء (٣).
قال أبو رافع : فرفعت طنب الحجرة بيدي ، ثم قلت : تلك والله الملائكة. فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة. قال : وثاورته (٤) ، فحملني وضرب بي الأرض. ثم برك عليّ يضربني ، وكنت رجلا ضعيفا. فقامت أمّ الفضل إلى عمود من عمد الحجرة ، فأخذته فضربته به ضربة ، فلقت في رأسه شجّة منكرة ، وقالت : استضعفته أن غاب عنه سيّده؟ فقام مولّيا ذليلا. فو الله ما عاش إلّا سبع ليال ، حتى رماه [١١ ب] الله بالعدسة (٥) فقتلته (٦).
وكانت قريش تتّقي هذه العدسة كما يتّقى الطّاعون. حتى قال رجل من قريش لا بنيه : ويحكما؟ أما (٧) تستحيان أنّ أبا كما قد أنتن في بيته لا تدفنانه؟ فقالا : نخشى عدوى هذه القرحة. فقال : انطلقا فأنا أعينكما فو الله ما غسّلوه إلّا قذفا بالماء عليه من بعيد. ثم احتملوه إلى أعلى مكة ، فأسندوه إلى جدار ، ثم رضموا (٨) عليه الحجارة (٩).
رواه محمد بن إسحاق من طريق يونس بن بكير عنه بمعناه. قال :
__________________
(١) البلق : جمع أبلق وبلقاء ، وهو ما يجتمع فيه البياض والسواد.
(٢) ما تليق شيئا ، ما تمسكه.
(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ٥٥
(٤) ثاورته : واثبته وساورته. (تاج العروس ١٠ / ٣٤٣).
(٥) العدسة : بثرة صغيرة شبيهة بالعدسة تخرج بالبدن مفرّقة كالطّاعون فتقتل غالبا وقلّما يسلم منها.
(٦) سيرة ابن هشام ٣ / ٥٥.
(٧) في ع ، ح. (ألا).
(٨) رضموا عليه الحجارة : وضعوا بعضها فوق بعض.
(٩) الروض الأنف ٣ / ٦٧.