فرقي عليه فحمد الله وكبّره وهلّله. فلم يزل واقفا حتى أسفر جدّا ، ثم دفع قبل أن تطلع الشمس ، وأردف الفضل بن عباس ، وكان رجلا حسن الشّعر وسيما (١). فلمّا دفع رسول الله صلىاللهعليهوسلم مرّ الظّعن (٢) يجرين ، فطفق الفضل ينظر إليهنّ ، فوضع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يده على وجه الفضل ، فصرف الفضل وجهه من الشّقّ الآخر ، فحوّل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يده على وجه الفضل. حتى إذا أتى محسّرا (٣) حرّك قليلا ، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرجك على الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة التي عند المسجد ، فرمى سبع حصيات ، يكبّر مع كل حصاة منها مثل حصي الخذف (٤) رمى من بطن الوادي. ثم انصرف إلى المنحر ، فنحر ثلاثا وستّين بدنة (٥) ، وأعطى عليّا ، رضياللهعنه ، فنحر ما غبر (٦) وأشركه في هديه. ثم أمر من كل بدنة ببضعة (٧) فجعلت في قدر ، وطبخت ، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها.
ثم أفاض رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى البيت ، فصلّى بمكة الظهر ، فأتى على بني عبد المطّلب يسقون من بئر زمزم ، فقال : «انزعوا بني عبد المطّلب ، فلو لا أن تغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم». فناولوه دلوا فشرب منه. أخرجه مسلم (٨) ، ودون قوله : يحيي ويميت.
__________________
(١) في صحيح مسلم «حسن الشعر أبيض وسيما».
(٢) الظعن : مفردها ظعينة ، وهي البعير الّذي عليه امرأة. وتسمّى به المرأة مجازا لملابستها البعير.
(٣) محسر ، ويقال بطن محسر : واد قرب المزدلفة بين عرفات ومنى. وفي كتب المناسك أنه وادي النار ، قيل إن رجلا اصطاد فيه فنزلت نار فأحرقته. وقيل إن فيل أصحاب الفيل حسر فيه أي أعيى وكلّ.
(٤) في الأصل : «الحدف». والتحرير من ع ، ح. وحصي الخذف أي حصي صغار بحيث يمكن أن يرمى بإصبعين. والحذف في الأصل : الرمي.
(٥) في صحيح مسلم «بيده» بدل «بدنة».
(٦) ما غير ما بقي منها.
(٧) البضعة : القطعة من اللحم.
(٨) في كتاب الحج ، (١٢١٨) باب حجة النبي صلىاللهعليهوسلم.