إنّ لكلّ حجّته ودليله ، وإنّ للمصيب أجرين وللمخطئ أجرا واحدا ، فما هذه الدمدمة والهمهمة حول الإمامة؟.
وإذا كانت الإمامة ، بعامّة أبحاثها من الفروع ، فما وجه إقحام ذلك في عداد المسائل الأصولية ، كما ارتكبه إمام الحنابلة ، وقال : «خير هذه الأمة بعد نبيّنا ، أبو بكر ، وخيرهم بعد أبي بكر ، عمر ، وخيرهم بعد عمر ، عثمان ؛ وخيرهم بعد عثمان ، عليّ ؛ رضوان الله عليهم ، خلفاء راشدون مهديّون» (١).
ومثله ، أبو جعفر الطحاوي الحنفي في العقيدة الطحاوية ، المسماة ب «بيان عقيدة السنّة والجماعة» ، حيث قال : «وتثبت الخلافة بعد النبي (صلىاللهعليهوآله) لأبي بكر الصّدّيق ، تفضيلا ، وتقديما على جميع الأمّة ، ثم لعمر بن الخطاب ، ثم لعثمان بن عفّان ، ثم لعليّ بن أبي طالب» (٢).
وقد اقتفى أثرهما الشيخ أبو الحسن الأشعري ، عند بيان عقيدة أهل الحديث وأهل السّنة ، والشيخ عبد القاهر البغدادي في بيان الأصول التي اجتمع عليها أهل السنّة (٣).
وهذا الصراع بين القولين ، أراق الدماء الطاهرة ، وجرّ على الأمّة الويل والثبور ، وعظائم الأمور ، فما معنى إقحام الاعتقاد بالأحكام الفرعية في قائمة العقائد؟ وإن هذا إلّا زلة لا تستقال.
نعم ، أوّل من لبّس الأمر ، وجعل الاعتقاد بها من صميم الإيمان على
__________________
(١) كتاب السنة ص ٤٩ ، المطبوع ضمن رسائل بإشراف حامد محمد فقي. وهذا الكتاب ألّف لبيان مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السّنة ، ووصف من خالف شيئا من هذه المذاهب أو طغى فيها أو عاب قائلها ، بأنّه مخالف مبتدع وخارج عن الجماعة ، زائل عن منهج السنّة وسبيل الحق.
(٢) شرح العقيدة الطحاوية ، للشيخ عبد الغني الميداني الحنفي الدمشقي ، ص ٤٧١ ، وأخذنا العبارة من المتن. وتوفي الطحاوي عام ٣٢١ هجرية.
(٣) لاحظ «الإبانة عن أصول الديانة» ، الباب ١٦ ، ص ١٩٠ و «الفرق بين الفرق» ص ٣٥٠.
ولاحظ «لمع الأدلة» للإمام الأشعري ، ص ١١٤ ، و «العقائد النّسفية» ص ١٧٧.