وزالت الصفة ، زال الحكم. ألا ترى أنّ قوله : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) (١) ، إنّما هو ينهى عن الركون إليهم ما أقاموا على الظلم ، فقوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). لم ينف به العهد عمّن تاب عن ظلمه ، لأنّه في هذه الحالة ، لا يسمى ظالما ، كما لا يسمى من تاب من الكفر ، كافرا.
والجواب :
إنّ هذا الاعتراض ذكره الجصاص (م ٣٧٠) في تفسيره على آيات الأحكام (٢). ولكنه عزب عنه أنّ قوله : الحكم يدور مدار وجود الموضع ، ليس ضابطا كليّا ، بل الأحكام على قسمين ، قسم كذلك ، وآخر يكفي فيه اتّصاف الموضوع بالوصف والعنوان آنا ما ، ولحظة خاصة ، وإن انتفى بعد الاتصاف ، فقوله : «الخمر حرام» ، أو : «في سائمة الغنم زكاة» ، من. قبيل القسم الأول ، وأمّا قوله : «الزاني يحدّ» ، و «السارق يقطع» ، فالمراد منه أنّ الإنسان المتلبس بالزنا أو السرقة يكون محكوما بهما وإن زال العنوان ، وتاب السارق والزاني ، ومثله : «المستطيع يجب عليه الحج» ، فالحكم ثابت ، وإن زالت عنه الاستطاعة تقصير لا عن قصور.
وعلى ذلك فالمدعى أنّ الظالمين في الآية المباركة كالسارق والسارقة (٣) والزاني والزانية(٤) ، والمستطيع (٥) وأمهات نسائكم (٦) في الآيات الراجعة إليهم.
نعم المهم في المقام إثبات أنّ الموضوع في الآية من قبيل القسم الثاني ، وأنّ
__________________
(١) سورة هود : الآية ١١٣.
(٢) تفسير آيات الأحكام ، ج ١ ، ص ٧٢.
(٣) سورة المائدة : الآية ٣٨.
(٤) سورة النور : الآية ٢.
(٥) سورة آل عمران : الآية ٩٧.
(٦) سورة النساء : الآية ٢٣. فمن صدق عليها الأمومة للزوجة يحرم على الزوج تزوّجها ، وإن طلق ابنتها.