٣ ـ المعاد والنّظم البديع.
فيستدلّ على المعاد تارة بأنّه هو غاية الخلقة ، وأخرى بأنّ الحقّ تعالى شأنه لا ينفك فعله عن غاية ، وثالثة بأنّ النّظم البديعة السائدة على العالم لا تنفك عن غرض وغاية ، والكلّ صور مختلفة لاستدلال واحد ، استوحيناه من الذكر الحكيم ، فإليك بيانها :
١ ـ المعاد غاية الخلقة
يستدلّ الذكر الحكيم على لزوم المعاد بأنّ الحياة الأخروية هي الغاية من خلق الإنسان وإنزاله إلى هذه البسيطة ، وأنّه لولاها لصارت حياته منحصرة في إطار الدنيا ، ولأصح إيجاده وخلقه ـ بالتالي ـ عبثا وباطلا ، والله سبحانه منزّه عن الإيجاد بلا غرض ، وإلى ذلك يشير قوله سبحانه : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (١).
ومن لطيف البيان في هذا المجال قوله سبحانه : (ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ* ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ* إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) (٢) فترى أنّه يذكر يوم الفصل بعد نفي كون الخلقة لعبا ، وذلك يعرب عن أنّ النّشأة الأخروية تصون الخلقة عن اللغو واللعب ، وبذلك تظهر صلة الآيات.
٢ ـ المعاد والحق المطلق
ومن لطائف البيان في القرآن الكريم أنّه تعالى يصف نفسه بالحق (المطلق) وأنّه لا حقّ سواه ، ثم يرتب على ذلك إحياء الموتى والنشأة الآخرة ، وذلك لأنّ الحق المطلق عبارة عن الوجود الذي لا يتطرق البطلان إلى ذاته أوّلا ، وصفاته ثانيا ، وأفعاله ثالثا ، ولو كان فعله بلا غاية ولا هدف ، لما كان حقّا مطلقا ،
__________________
(١) سورة المؤمنون : الآية ١١٥ ، ولاحظ سورة ص : الآية ٢٧.
(٢) سورة الدخان : الآيات ٣٨ ـ ٤٠.