بين أن يكون ممكنا ، أو واجبا ، لأنّ الحسن حسن في كل حال ، والقبيح قبيح كذلك.
وهناك جماعة من المتكلمين ـ كالأشاعرة ـ ينكرون التحسين والتقبيح العقليين ، ويتركون المجال في القضاء بهما للوحي السماوي ، وهم أيضا يقولون بلزوم العمل بالعدل والاجتناب عن الظلم ، بحكم أن الشرع قد أمر بهما ، وأنّه سبحانه وصف نفسه بالقيام بالقسط (١) ، فتكون النتيجة لزوم معاملة العباد بالعدل.
ثم إنّ إثابة المطيعين من باب التفضل منه سبحانه ، لأنّهم يطيعونه تعالى بفضل ما أنعمه عليهم من النعم الوجودية ، كما أنّ عقاب العصاة ، حق محض له ، فله أن يعفو عنهم(٢).
هذا هو حكم العقل في كل واحد من القسمين : المطيع والعاصي ، إذا لوحظا مستقلين.
ولكن هناك كلام آخر ، وهو أنّه لو كان جميع العباد مطيعين سالكين نهج الامتثال ، فله التفضل بالثواب ، كما له تركه. وكذلك لو كان جميع العباد ، عصاة سالكين نهج المخالفة ، فله سبحانه معاقبتهم أو العفو عنهم ، ولكنّ العباد ، ينقسمون إلى قسمين ، فهم بين مطيع وعاص ، والتسوية بينهم بصورها المختلفة ، خلاف العدل. فإنّه لو أثاب الجميع أو عاقب الجميع ، أو تركهم سدى من دون أن يحشروا في النشأة الأخرى ، كان ذلك كلّه على خلاف العدل ، وخلاف ما يحكم به العقل من لزوم كون فعله تعالى حسنا ، فهنا يستقل العقل بأنّه يجب التفريق بينهما من حيث المصير والثواب والعقاب. وبما أنّ هذا غير متحقق في النشأة الدنيوية ، فيجب أن يكون هناك نشأة أخرى يتحقق فيها ذلك الميز ، ويفرّق فيه بين المطيعين والعاصين ، وهو المعاد.
وهذا الدليل العقلي يشير إليه القرآن الكريم في لفيف من آياته ، وهي على
__________________
(١) سورة آل عمران : الآية ١٨. وسورة يونس : الآية ٤٤.
(٢) كل ذلك مع قطع النظر عن وعده ووعيده.