وتقلّباتها من صورة النقص إلى صورة أكمل ، ومن حال أدون إلى حال أعلى ، فالغرض من ذكرها ، إثبات أنّ لهذه الأطوار والتحولات غاية أخيرة ، فللإنسان توجّه طبيعي نحو الكمال ، ودين إلهي فطري في التقرّب إلى المبدأ الفعّال ، والكمال اللائق بحال الإنسان المخلوق أوّلا من هذه الطبيعة ، وإلّا كان لا يوجد في هذا العالم الأدنى ، بل في عالم الآخرة التي إليها الرجعي ، وفيها الغاية والمنتهى ، فبالضرورة إذا استوفى الإنسان جميع المراتب الخلقية الواقعة في حدود حركته الجوهرية الفطرية ، من الجمادية والنباتية ، والحيوانية ، وبلغ أشدّه الصوري ، وتمّ وجوده الدنيوي الحيواني ، فلا بدّ أن يتوجه نحو النشأة الآخرة ، ويخرج من القوة إلى الفعل ، ومن الدنيا إلى الأخرى ، ثم المولى ، وهو غاية الغايات ، ومنتهى الأشواق والحركات(١).
وفي الآيات الكريمات إشارات إلى هذا البرهان ، يفهمها الراسخون في الذكر الحكيم.
يقول سبحانه : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) (٢).
وأنت إذا لاحظت هذه الآيات وما تقدمها ممّا يتكفل ببيان خلقة الإنسان ، ترى لها انسجاما وترابطا خاصّا ، فالله سبحانه يصف الإنسان بأنّه كان نطفة فعلقة فمضغة ، إلى أن أنشأه خلقا آخر ، ثم يوافيه الموت ، ثم يبعث يوم القيامة ، فكأنّ الآية تبيّن تطور الإنسان تدريجا من النقص إلى الكمال ، ومن القوة إلى الفعل ، وأنّه منذ تكوّن يسير في مدارج الكمال ، إلى نهاية المطاف وهو البعث يوم القيامة ، فهذا غاية الغايات ، ومنتهى الكمال.
ويمكن استظهار ذلك من قوله سبحانه : (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى) (٣) ، بالبيان الماضي في الآية السابقة.
__________________
(١) الأسفار ، ج ٩ ، ص ١٥٩.
(٢) سورة المؤمنون : الآيات ١٤ ـ ١٦.
(٣) سورة النجم : الآيات ٤٥ ـ ٤٧.