يلاحظ عليه : إنّ ما ذكره خلاف نصوص الآية ، فإن إبراهيم طلب من الله سبحانه أن يريه كيف يحيي الموتى أولا ، وأراد سبحانه ، بقرينة تخلل الفاء في قوله (فَخُذْ) ، إجراء ذلك بيد إبراهيم ثانيا ، ثم أمره سبحانه أن يجعل كل جزء منهن على جبل ، لا كل واحد منهن عليه ثالثا.
وهذه الوجوه تدعم صحة النظرية المعروفة في تفسير الآية. وأما تعدية (فَصُرْهُنَ) ب (إِلَيْكَ) ، فقد عرفت الكلام فيه ، وأنّه إن كان بمعنى الميل فالأمر بالتقطيع مقدّر ، وإن كان بمعنى القطع ، فالكلمة متضمنة لمعنى الميل.
على أنّه لو كان المراد ما اختاره من المعنى ، لما احتاج إلى هذا التفصيل ، بل يكفي في المقام إحالة إبراهيم إلى لاعبي الطيور ، الذين يربون الطيور ، حتى إذا استأنسوا بأصحابهن ، يفرقونهن للطيران ، ثم يدعونهن بالصفير والعلامات الخاصة ، فيأتين سعيا.
ولعمري ، إنّ هذا التفسير يحطّ من عظمة القرآن ، وجلالته ، ويفتح الباب للملحدين في تأويل ما دلّ عليه القرآن من معاجز وكرامات الأنبياء والرسل ، ولقد أعرب الكاتب عن باعثه في آخر كلامه بقوله : «وأمّا المتأخرون فهمّهم أن يكون في الكلام خصائص للأنبياء ، من الخوارق الكونية ، وإن كان المقام ، مقام العلم والبيان والإخراج من الظلمات إلى النور ، وهو أكبر الآيات ، الخ» (١).
وهذا يعرب عن أن المعاجز بنظره ، تضاد العلم ولا تصلح للإخراج من الظلمات إلى النور ، مع أنه سبحانه أسماها بالبينات ، وقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ)(٢).
* * *
__________________
(١) المصدر السابق ، ص ٥٨.
(٢) سورة الإسراء : الآية ١٠١ ولقد خرجنا في تفسير الآية عمّا اتبعناه من الإيجاز إيعازا للباحث بما في المنار وأمثاله من الدعوات التي لا تتفق مع مبادي الإسلام ، وسيلاحظ نظيره في الآية التالية.