صرت نظرة لو صادف جوز دارع |
|
غدا والعواصي من دم الجوف تنعر (١). |
فإن جعل من «صير» يكون بمعنى «أملهنّ إليك» ، ويجب عند ذلك تقدير كلمة اقطعهن ، لدلالة ظاهر الكلام عليه ، فيكون معنى الآية : أملهن إليك ، فقطّعهنّ ، ثم اجعل على كل جبل منهن جزء ، مثل قوله : (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ ، فَانْفَلَقَ) (٢) ، أي فضرب فانفلق.
وإن جعل من «صري» ، تكون الكلمة متضمنة معنى الميل بقرينة تعدّيها ب «إلى» ، فيكون المعنى : اقطعهن متمايلات إليك ، كتمايل كل طير إلى صاحبه.
وعلى كل تقدير ، فالآية تدل على أنّ إبراهيم قطّعهن وخلط أجزائهن ، ثم فرقها على الجبال ، ثم دعاهن ، فأتينه سعيا.
ومن غريب التفسير ، ما ذكره صاحب المنار فقال في معنى الآية ما حاصله : خذ أربعة من الطّير فضمها إليك ، وآنسها بك ، حتى تستأنس وتصير بحيث تجيب دعوتك إذا دعوتها ، فإن الطيور من أشدّ الحيوانات استعدادا لذلك ، ثم اجعل كل واحد منها على جبل ، ثم ادعها ، فإنها تسرع إليك من غير أن يمنعها تفرق أمكنتها وبعدها ، كذلك أمر ربك إذا أراد إحياء الموتى ، يدعوهم لكلمة التكوين : «كونوا أحياء» ، فيكونون أحياء ، كما كان شأنه في بدء الخلقة ، ذلك إذ قال للسماوات والأرض : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ، قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (٣) قال : والدليل على ذلك من الآية قوله تعالى : (فَصُرْهُنَ) ، فإن معناه «أملهن» ، أي أوجد ميلا بها ، وآنسها بك ويشهد به تعديته بإلى ، فإنّ صار إذا تعدى بإلى كان بمعنى الإمالة» (٤).
__________________
(١) معاني القرآن : ج ١ ص ١٧٤. الشعر : «صرت نظرة» : أي قطعت نظرة ، أي فعلت ذلك ، والجوز وسط الشيء والعواصي جمع العاصي وهو العرق ، ويقال نعر العرق : فار منه الدم.
(٢) سورة الشعراء : الآية ٦٣ ..
(٣) سورة فصلت : الآية ١١.
(٤) لاحظ تفسير المنار ، ج ٣ ، ص ٥٥ ـ ٥٨ : وذكر وجوها في دعم هذه النظرية التي نقلها عن أبي مسلم ، وقد استحسنها في آخر كلامه وقال «ولله درّ أبي مسلم ، ما أدقّ فهمه وأشدّ استقلاله فيه».