حيّ إليه ، وأن اختلط بحيّ آخر ، كما لو أكلت الإنسان الميت سباع البراري وجوارح الهواء ، وحيتان البحار ، فإن الاختلاط لا يكون مانعا عن الإحياء والإعادة ، وقد تقدّم في بيان شبهاتهم أنّ المنكرين كانوا يركزون على «ضلالة الأجزاء» في الأرض ، واختلاط أجزاء الموتى بعضها ببعض ، وقد قال سبحانه في هذا المجال : (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) (١).
والاستدلال بالآية يتوقف على الإمعان في أمرين :
الأول ـ إنّ مقتضى البلاغة مطابقة الجواب للسؤال ، ولما كان سؤاله عن مشاهدة إحياء الموتى ـ واقتضى الحال الإجابة عنه ـ فيجب أن يكون ما يأمر به سبحانه محققا لإحياء الموتى ، وهو لا يتحقق إلا بأن يقوم إبراهيم بتقطيعهن وخلط أجزائهن ، وتفريقهن على الجبال.
الثاني : الإمعان في قوله : (فَصُرْهُنَ) ، والمصدر الذي اشتقّ منه ، وفيه احتمالات:
١ ـ ما نقل عن ابن عباس من أنه قرأ : «فصرّهنّ» ، بتشديد الراء ، من باب صرّ ، يصرّ ، من التصرية ، وهي الجمع والضم (٢) ، وهذه القراءة غير معروفة ، فهذا الاحتمال ساقط.
٢ ـ أن يكون مأخوذا من الصّير ، معتل العين ، فيقال صار يصير صيرا ، بمعنى انتهى إليه ، مثل قوله : (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ). والأمر منه «صر» ولعل من فسره من أهل اللغة بمعنى الميل أخذه من هذا.
٣ ـ أن يكون مأخوذا من «صري» ، معتل اللام ، ذكره الفراء في معاني القرآن ، فقال إنها إن كانت بمعنى القطع ، تكون من «صريت ، تصري» ، واستشهد بقول الشاعر:
__________________
(١) سورة ق : الآية ٤.
(٢) الكشاف ، ج ١ ، ص ٢٩٦.