والرؤية في الآية بمعنى العلم ، أي : «ألم تعلم» ، وذكر المفسّرون حول فرارهم من الموت ، وكيفية إحيائهم ، أمورا ، يرجع إليها في محلّها (١).
والآية كما تثبت وقوع إحياء الموتى ، بعد إمكانه ، تثبت إمكان الرجعة إلى الدنيا ، على ما يتبنّاه الشيعة الإمامية ، كما هو الحال أيضا في إحياء عزير ، وسيوافيك الكلام فيها بعد الفراغ من المعاد.
ومما يثير العجب ما ذكره صاحب المنار حيث قال : «الآية مسوقة سوق المثل ، والمراد بهم قوم هجم عليهم أولو القوة والقدرة من أعدائهم لاستذلالهم واستخدامهم وبسط السلطة عليهم ، ، فلم يدافعوا عن استقلالهم ، وخرجوا من ديارهم وهم ألوف ، لهم كثرة وعزة ، حذر الموت ، فقال لهم الله : موتوا موت الخزي والجهل ، والخزي موت والعلم وإباء الضيم حياة ، فهؤلاء ماتوا بالخزي ، وتمكّن الأعداء منهم ، وبقوا أمواتا ثم أحياهم بإلقاء روح النهضة والدفاع عن الحق فيهم فقاموا بحقوق أنفسهم واستقلوا في ذلك» (٢).
يلاحظ عليه : أولا : إن الظاهر أنّ الآية تبيّن قصة واحدة ، وهي فرار قوم من الموت ، فأماتهم الله ، ثم أحياهم ، لا بيان قصتين. بمعنى تشبيه من لم يدافعوا عن عزتهم ، وغلبوا ، وبقوا كذلك حتى نفث في روعهم روح النهضة ، فقاموا للدفاع ؛ بقوم فروا من الموت الحقيقي ، فأماتهم الله موتا حقيقيا ، ثم أحياهم ، ولو كانت الآية جارية مجرى المثل لوجب أن يكون هناك مشبّه ومشبّه به ، مع أنّ الآية لا تحتمل ذلك.
ولأجل ذلك نرى أنّه سبحانه عند ما يريد التمثيل بمضمون آية يأتي بلفظ «مثل» ، ويقول : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) (٣) ؛ و (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ) (٤) ؛ و (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ
__________________
(١) لاحظ مجمع البيان ، ج ١ ، ص ٣٤٦ ـ ٣٤٧. وغيره.
(٢) المنار ، ج ٣ ، ص ٤٥٨ ـ ٤٥٩.
(٣) سورة البقرة : الآية ١٧.
(٤) سورة يونس : الآية ٢٤.