الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (١).
إنّه سبحانه وإن كان قادرا على إحيائه من دون ذبح البقرة ، ولكنه أمرهم بذلك لأنهم سألوا موسى أن يبيّن لهم حال القتيل وهم كانوا يعدّون القربان من أعظم القربات.
فأمرهم الله بتقديم هذه القربة تعليما منه لكلّ من اعتاص عليه أمر من الأمور ، أن يقدّم نوعا من القرب قبل أن يسأل الله تعالى كشف ذلك عنه ، ليكون أقرب إلى الإجابة ، وإنما أمرهم بضرب بعض القتيل ، ببعض البقرة ، بعد أن جعل اختيار وقت الإحياء إليهم ، ليعلموا أنّ الله سبحانه وتعالى قادر على إحياء الموتى في كل وقت من الأوقات ، ومعنى قوله: (اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها ، كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) ، إنهم ضربوه فأحيي ، مثل قوله سبحانه : (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ ، فَانْفَلَقَ) ، أي فضربه فانفلق ، وقوله : (كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ) ، يراد منه تفهيم قوم موسى بأنّهم إذ عاينوا إحياء الميت ، فليعلموا أنّ الله قادر على إحياء الموتى للحساب والجزاء.
هذا ما ذهب إليه الجمهور في تفسير الآية ، وهو المتبادر منها ، وقد اتخذ صاحب المنار في تفسير الآية ، موقفه السلبي في باب المعاجز والكرامات ، فقال بعد ما ذكر نظرية جمهور المفسرين : «والظاهر مما قدمناه أنّ ذلك العمل كان وسيلة عندهم للفصل في الدماء عند التنازع في القاتل ، إذا وجد القتيل قرب بلد ولم يعرف قاتله ، ليعرف الجاني من غيره ، فمن غسل يده (٢) وفعل ما رسم لذلك في الشريعة ، برئ من الدم ، ومن لم يفعل ، تثبت عليه الجناية. ومعنى إحياء الموتى على هذا ، حفظ الدماء التي كانت عرضة لأن تسفك بسبب الخلاف في قتل تلك النفس ، أي يحييها بمثل هذه الأحكام. وهذا الإحياء على حد قوله تعالى :
__________________
(١) لاحظ سورة البقرة : الآيات ٦٧ ـ ٧٣.
(٢) لاحظ في كفية ذلك ، العهد القديم سفر التثنية : الأصحاح ٢١ ، ص ٢١١ ، ط دار الكتاب المقدس ، وحاصله أنّهم يغسلون أيديهم في دم عجلة ويقولون : أيدينا لم تسفك هذا الدم وأعيننا لم تبصر.