والآية لا تفيد أزيد من وجود الفاصل ، والحاجز بين الدنيا والقيامة ، مثل قوله سبحانه : (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) (١). ولا تدل على وجود حياة في هذا الفصل.
نعم ، هناك آيات يستفاد منها وجود حياة واقعية للإنسان في تلك النشأة ، نذكر منها ما يلي :
١ ـ قال تعالى : (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ، فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) (٢)؟.
وهذه الآية تحكي عن تحقيق إحياءين وإماتتين إلى يوم البعث ، وقد اختلف المفسّرون في تفسيرهما ، والمروي عن ابن عباس أنّ الإماتة الأولى ، حال كونهم نطفا ، فأحياهم الله في الدنيا ، ثم أماتهم الموتة الثانية ، ثم أحياهم للبعث ، فهذان إحياءان وإماتتان ونظيره قوله : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٣).
يلاحظ عليه : إنّ الآية الثانية ليست نظير الآية الأولى حتى تفسّر بها ، فإنّ الآية الثانية ، تصف الناس بكونهم أمواتا ، وهو ينطبق على الإماتة في حال كون الإنسان نطفة أو قبل ذلك ، بخلاف الآية الأولى فإنّها تحكي عن إماتة الإنسان ، والفرق بين الموت والإماتة واضح ، فالأحوال المتقدمة على النطفة ، ونفسها ، توصف بالموت ، دون الإماتة. فلأجل ذلك لا يصح تفسير الإماتة بما جاء في هذا القول.
والظاهر أنّ المراد هو ما يلي :
الإماتة الأولى هي الإماتة عن الحياة الدنيا.
والإحياء الأوّل هو الإحياء في البرزخ ، وتستمر هذه الحياة إلى نفخ الصور الأول.
__________________
(١) سورة الرحمن : الآية ٢٠.
(٢) سورة غافر : الآية ١١.
(٣) سورة البقرة : الآية ٢٨.