هذه نبذة يسيرة من الأصوات المدوّية التي عارضت الخلافة والخليفة المنتخب ، وكم لها من نظير في السقيفة والشورى وغيرهما ضربنا عنه صفحا.
أفيصح بعد ذلك قول القرطبي : «ولم ينكر أحد من الصحابة ذلك» ، وكأن الحباب ، وسعدا ، وابنه قيس ، وعامة الخزرجين ، وبني هاشم ، والزبير ، لم يكونوا من الصحابة؟!.
وثانيا ـ إنّ هذا الاختلاف الفاحش في كيفية عقد الإمامة ، يعرب عن بطلان نفس الأصل لأنّه إذا كانت الإمامة مفوضة إلى الأمّة ، كان على النبي الأكرم بيان تفاصيلها وخصوصياتها وخطوطها العريضة ، وأنّه هل تنعقد بواحد أو اثنين من الصحابة؟ أو تنعقد بأهل الحلّ والعقد منهم؟ أو بالصحابة الحضور عند رحلة النبي أو رحلة الإمام السابق؟ أو باتّفاق جميع المسلمين بأنفسهم ، أو بممثليهم؟.
وليس عقد الإمامة لرجل ، أقلّ من عقد النكاح بين الزوجين الذي اهتمّ القرآن والسنّة ببيانه وتحديده ، كما اهتمت السنّة على الخصوص بشئونه وأحكامه.
والعجب أنّ عقد الإمامة الذي تتوقف عليه حياة الأمّة ، لم يطرح في النصوص ، لا كتابا ولا سنّة ـ على زعم القوم ـ ولم تبيّن حدوده ولا شرائطه ، ولا سائر مسائله التي كان يواجهها المسلمون بعد وفاة النبي الأكرم مباشرة!!.
__________________
رأس سعد ، وقال : لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك. فأخذ سعد بلحية عمر ، وقال : والله لو حصحصت منه شعرة ما رجعت وفيك واضحة ، أما والله لو أنّ بي قوة ما أقوى على النهوض لسمعت مني في أقطارها وسككها زئيرا يجحرك وأصحابك (أي يلزمهم دخول الجحر ، وهو كناية عن شدّة التضييق) ، أما والله ، إذا لألحقنّك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع ، احملوني من هذا المكان». فحملوه ، فأدخلوه في داره. وترك أياما ، ثم بعث إليه أن أقبل ، فبايع ، فقد بايع الناس ، وبايع قومك. فقال : أما والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبلي وأخضّب سنان رمحي ، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي ، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي ، فلا أفعل. وأيم الله ، لو أنّ الجنّ اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربّي ، وأعلم ما حسابي». فكان سعد لا يصلّي بصلاتهم ولا يجمع معهم ، ولا يفيض معهم إفاضتهم ، فلم يزل كذلك حتى هلك أبو بكر. (المصدر نفسه). وسعد بن عبادة سيد الخزرجيين.