كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) (١).
ويقول سبحانه : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ ..) (٢).
وقد عرفت أنّ هذه الشهادة تستلزم من الكفاءات شيئا عظيما ، وبهذا يظهر عظم مقام هذا الشاهد ، لوقوفه على ضمائر القلوب وأعمال الأمّة ، وإن كانوا بعيدين عنه. ومن كان له هذا المقام ، فتعرّفه على الغيب من أهون الأمور ، ومع ذلك نرى بعض القشريين ينزعجون من إثبات علم الغيب للنبيّ ، ويزعمون أنّ نسبته إليه وإلى الله سبحانه يستلزم الشرك ، ولكن عزب عنهم الفرق بين العلم الكسبي والذاتي ، والمحدود واللامحدود ، والقائم بالغير والقائم بالنفس.
الشاهد الرابع : بعض الأمّة الإسلامية
يقوله سبحانه : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (٣).
والخطاب في الآية للأمّة الإسلامية ، ولكن المراد قسم منها ، نظير قوله سبحانه : (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) (٤) ، مخاطبا بني إسرائيل ، والمراد بعضهم. فباعتبار وجود الصّلة القوية بين القبيلة وملوكها ، نسب الملوكية إلى الجميع.
والدليل على أنّ المراد بعض الأمّة ، هو أنّ أكثر أبناء الأمّة ، مجهزون بحواس عادية لا تتحمل إلّا صور الأفعال والأعمال إذا كانوا في محضر المشهود عليهم ، وهو لا يفي في مقام الشهادة ، لأنّ المراد من الشهادة هو الشهادة على حقائق الأعمال ، والمعاني النفسانية من الكفر والإيمان والفوز والخسران ، وعلى كل خفي عن الحسّ ، ومستبطن عن الإنسان ، وعلى كل ما تكسبه القلوب ، الذي يدور عليه حساب ربّ العالمين ، يقول سبحانه : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ
__________________
(١) سورة النساء : الآية ٤١.
(٢) سورة النحل : الآية ٨٩. ولاحظ الحج : الآية ٧٨.
(٣) سورة البقرة : الآية ١٤٣.
(٤) سورة المائدة : الآية ٢٠.