الشاهد الثاني ـ نبيّ كلّ أمّة
يدل القرآن الكريم على أنّ لكلّ أمّة شهيدا من أنفسهم ، وقد جاء ذلك في عدة آيات منها قوله سبحانه : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (١).
وقوله سبحانه : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ* وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ...) (٢).
والظاهر أنّ هذا الشاهد من كل أمّة هو نبيهم ، وإن لم يصرح به في الآيات ، وذلك للزوم كون الشهادة القائمة هناك مشتملة على حقائق لا سبيل للمناقشة فيها ، فيجب أن يكون هذا الشاهد عالما بحقائق الأعمال التي يشهد عليها ، لا بظاهر صورها وهيئاتها المحسوسة لأنّ صورها مشتركة بين الطاعة والمعصية.
ولا يكون هذا إلّا بأن يستوي عنده الحاضر والغائب ، ويعاين حقيقة ما انعقدت عليه القلوب فيتميز هذا الشاهد بخصوصيتين :
الأولى : أنّه محيط إحاطة علمية تامة على حقائق الأعمال وما يجري في القلوب ، ويختلج في النفوس.
الثانية : أن يكون ذا عصمة إلهية ليمتنع عليه الخطأ والاشتباه عند تحمّل الشهادة ، والكذب والخيانة عند أدائها.
ولا يتصور هذا المقام إلا لنبيّ كلّ أمّة ، وسيأتي تتميم لذلك في الشاهد الرابع.
الشاهد الثالث : نبيّ الإسلام
عدّ القرآن نبيّ الإسلام شاهد أمّته ، يقول سبحانه : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ
__________________
(١) سورة النحل : الآية ٨٩.
(٢) سورة القصص : الآيتان ٧٤ و ٧٥.