صعب أشبه بسلوك طريق أدقّ من الشعر وأحدّ من السيف. فالفائز من الناس ، من كانت له قدم راسخة في مجال الإيمان والعقيدة ، وتثبّت في مقام العمل والطاعة ، ومن المعلوم أنّ الفوز بهذه السعادة ليس أمرا سهلا ، فكم من إنسان ضلّ في طريق العقيدة ، وعبد النفس والشيطان والهوى ، مكان عبادة الله سبحانه ، وكم من إنسان فشل في مقام الطاعة والعمل بالوظائف الإلهية.
فإذا كان هذا حال الصراط الدنيوي من حيث الصعوبة ، والدقة ، فهكذا حال الصراط الأخروي ، وإلى ذلك يشير الإمام الحسن بن علي العسكري ، عليهماالسلام في حديثه عن علي بن أبي طالب ، عليهالسلام قال :
«والصّراط المستقيم ، صراطان ، صراط في الدنيا وصراط في الآخرة ، أمّا الصراط المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلو ، وارتفع عن التقصير ، واستقام فلم يعدل إلى شيء من الباطل ، وأمّا الطريق الآخر فهو طريق المؤمنين إلى الجنة» (١)
فلو قال قائل بأنّ الصراط الأخروي تمثّل لذلك الصراط الدنيوي وتجسّد له ، فلم يجازف.
٣ ـ إنّ لصدر المتأهلين كلاما في تبيين المراد من كون الصراط أدقّ من الشعر وأحدّ من السيف.
قال : «إنّ كمال الإنسان منوط باستعمال قوتيه ، أمّا القوة النظرية فلإصابة الحق ونور اليقين في سلوك الأنظار الدقيقة التي هي في الدقة واللطافة أدقّ من الشعر ـ إذا تمثلت ـ بكثير. وأمّا القوة العملية ، فبتعديل القوتين الشهوية والغضبية ، لتحصل للنفس حالة اعتدالية متوسطة بين الأطراف غاية التوسط ، لأنّ الأطراف كلّها مذمومة ، والتوسط الحقيقي بين الأطراف المتضادة منشأ الخلاص عن الجحيم. وهو أحدّ من السيف ، فإذا الصراط له وجهان :
أحدهما أدقّ من الشعر ، والآخر أحدّ من السيف» (٢).
__________________
(١) معاني الأخبار ، ص ٣٣.
(٢) الأسفار ، ج ٩ ، ص ٢٨٥.