هو الذي يجب الاعتقاد به ، ويكفر من أنكره ، وهو حق ، لشهادة نصوص القرآن في مواضع متعددة بحيث لا تقبل التأويل ، كقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ ...) إلى قوله : (بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (١). قال المفسرون نزلت هذه الآية في أبيّ بن كعب فإنه خاصم رسول الله وأتاه بعظم قد رمّ وبلى ، ففتّه بيده وقال : يا محمد ، أترى الله يحيي هذه بعد ما رمّت ، قال : نعم ، ويبعثك ويدخلك النار. «وهذا مما يقلع عرق التأويل بالكلية ، ولذلك قال الإمام (الرازي) : إنه لا يمكن الجمع بين الإيمان بما جاء به النبي وإنكار الحشر الجسماني» (٢).
٤ ـ قال صدر المتألهين : اتفق المحققون من الفلاسفة والمليّين على أحقّية المعاد ، وثبوت النشأة الباقية ، لكنهم اختلفوا في كيفيته ، فذهب جمهور الإسلاميين وعامة الفقهاء وأصحاب الحديث إلى أنه جسماني فقط ، بناء على أنّ الروح عندهم جسم سار في البدن سريان النار في الفحم ، والماء في الورد ، والزيت في الزيتونة ، وذهب جمهور الفلاسفة وأتباع المشّائين إلى أنّه روحاني أي عقلي فقط لأنّ البدن ينعدم بصوره وأعراضه لقطع تعلق النفس بها ، فلا يعاد بشخصه تارة أخرى ، إذ المعدوم لا يعاد ، والنفس جوهر باق لا سبيل للفناء إليه ، فتعود إلى عالم المفارقات لقطع التعلقات بالموت الطبيعي.
وذهب كثير من أكابر الحكماء ومشايخ العرفاء وجماعة من المتكلمين كالغزالي والكعبي والحليمي والراغب الأصفهاني وكثير من أصحابنا الإمامية كالشيخ المفيد ، وأبي جعفر الطوسي ، والسيد المرتضى ، والمحقق الطوسي ، والعلامة الحلّي ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين إلى القول بالمعادين ، ذهابا إلى أنّ النفس مجرّدة تعود إلى البدن (٣).
قال العلامة المجلسي : «اعلم أنّ القول بالمعاد الجسماني مما اتفق عليه جميع المليين وهو من ضروريات الدين ومنكره خارج من عداد المسلمين ، والآيات الكريمة على ذلك ناصّة لا يعقل تأويلها ، والأخبار فيه متواترة لا يمكن ردّها ولا
__________________
(١) سورة يس : الآيات ٧٧ ـ ٧٩.
(٢) شرح العقائد العضدية ، ج ٢ ، ص ٢٤٧.
(٣) الأسفار ، ج ٩ ، ص ١٦٥.