حيث ولد من غير أب ولا أمّ قال سبحانه : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (١).
وأنت إذا سبرت تفاسير القرآن الكريم ، تقف على أنّ قسما من الآيات نزلت في الإجابة عن التشكيكات المتوجهة إلى الإسلام من جانب أعدائه من مشركين ويهود ونصارى وسيوافيك في مباحث المعاد جملة كثيرة من الشبهات التي كانوا يعترضون بها على عقيدة المعاد ، وجواب القرآن عليها.
وأمّا الأمر الرابع : فواضح لمن لاحظ سيرة النبي الأكرم ، فقد كان هو القول الفصل وفصل الخطاب ، إليه يفيء الغالي ، ويلحق التالي ، فلم ير إبّان حياته مذهب في الأصول والعقائد ، ولا في التفسير والأحكام. وكان ـ بقيادته الحكيمة ـ يرفع الخصومات والاختلافات ، سواء فيما يرجع إلى السياسة أو غيرها (٢).
هذه هي الأمور التي مارسها النبي الأكرم أيام حياته. ومن المعلوم أنّ رحلته وغيابه صلوات الله عليه ، يخلّف فراغا هائلا ومفزعا في هذه المجالات الأربعة ، فيكون التشريع الإسلامي حينئذ أمام محتملات ثلاثة :
الأول ـ أن لا يبدى الشارع اهتماما بسدّ هذه الفراغات الهائلة التي ستحدث بعد الرسول ، ورأى ترك الأمور لتجري على عواهنها.
الثاني ـ أن تكون الأمّة ، قد بلغت بفضل جهود صاحب الدعوة في إعدادها ، حدا تقدر معه بنفسها على سدّ ذلك الفراغ.
الثالث ـ أن يستودع صاحب الدعوة ، كلّ ما تلقاه من المعارف والأحكام
__________________
(١) سورة آل عمران : الآية ٥٩. ولاحظ سورة الزخرف : الآيات ٥٧ ـ ٦١.
(٢) يكفي في ذلك ملاحظة غزوة الحديبية ، وكيف تغلّب بقيادته الحكيمة على الاختلاف الناجم ، من عقد الصلح مع المشركين وما نجم في غزوة بني المصطلق من تمزيق وحدة الكلمة ، أو ما ورد في حجة الوداع ، حيث أمر من لم يسق هديا. بالإحلال ، ونجم الخلاف من بعض أصحابه ، فحسمه بفصله القاطع.