البدن العنصري الذي تكون له الحياة بالنحو الذي كانت له في الدنيا ، وهذا مما لا نشك فيه.
هذا كله حول الملاك الأوّل ، وإليك البحث في الملاك الثاني الذي حاصله أنّ اتصاف المعاد بالجسماني أو الروحاني ، يرجع إلى كون الثواب والعقاب جسمانيين فقط ، أو أنّ هناك لذات وآلام روحية تلتذ بها النفس أو تتألّم ، ولا دخالة للجسم في حصول اللّذة والألم.
إن القرآن الكريم يصدّق كلا المعادين بهذا الملاك حيث يثبت اللذات والآلام الجسمانية والروحانية ، ولا يخص الثواب والعقاب بما يعرض للنفس عن طريق البدن ، وبواسطته. وإليك ما يدل على ذلك :
أما ما يدل على الثواب والعقاب الجسمانيين ، فحدّث عنه ولا حرج ، فالجنة والنار وما فيهما من النعم والنقم يرجعان إلى اللذات والآلام الجسمانية. وإنما الكلام فيما يدل من الآيات على اللذات والآلام الروحية فقط ، وفيما يلي نذكر بعضا منها :
١ ـ لذة رضاء المعبود
يقول سبحانه : (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ، وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ، ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١).
فترى أنه سبحانه يجعل رضوان الله في مقابل سائر اللّذات الجسمانية ، ويصفه بكونه أكبر من الأولى ، وأنّه هو الفوز العظيم.
ومن المعلوم أنّ هذا النوع من اللّذة لا يرجع إلى الجسم ، بل هي لذّة تدرك بالعقل ، والروح في درجتها القصوى.
وهنا كلمة مروية عن الإمام الطاهر علي بن الحسين قال : إذا صار أهل
__________________
(١) سورة التوبة : الآية ٧٢.