الجنة ، ودخل وليّ الله إلى جنانه ومساكنه ، واتكأ كل مؤمن منهم على أريكته ، حفته خدّامه وتهدلت عليه الثمار ، وتفجرت حوله العيون ، وجرت من تحته الأنهار ، وبسطت له الزرابي ، وصففت له النمارق وأتته الخدام بما شاءت شهوته من قبل أن يسألهم ذلك ، قال : ويخرجون عليهم الحور العين من الجنان فيمكثون بذلك ما شاء الله.
ثم إنّ الجبار يشرف عليهم فيقول لهم : أوليائي وأهل طاعتي وسكان جنتي في جواري ، هل أنبئكم بخير مما أنتم فيه ، فيقولون ربنا وأي شيء خير مما نحن فيه ، نحن فيما اشتهت أنفسنا ، ولذّت أعيننا من النعم في جوار الكريم ، قال فيعود عليهم بالقول ، فيقولوا : ربّنا نعم ، فائتنا بخير مما نحن فيه ، فيقول لهم تبارك وتعالى : رضائي عنكم ومحبّتي لكم خير وأعظم مما أنتم فيه ، قال : فيقولون نعم يا ربنا ، رضاك عنا ومحبتك لنا خير لنا وأطيب لأنفسنا. ثم قرأ علي بن الحسين هذه الآية : (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١).
٢ ـ ألم الابتعاد عن رحمة الله؟
إذا كان إدراك رضوان المعبود أعظم اللذات العقلية ، فإدراك الابتعاد عن رحمة الله التي وسعت كلّ شيء ، من أعظم الآلام العقلية. ولأجل ذلك نرى أنّه سبحانه يوعد المنافقين والكفار بالنّار ، ويعقّبه بلعنهم. فكأنّ هناك ألمين : جسمي هو التعذيب بالنار ، وعقلي ، وهو إدراكهم ألم الابتعاد عن رحمته.
يقول سبحانه : (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) (٢).
ويظهر عظم هذا الألم ، بوقوع هذه الآية قبل آية الرضوان فكأنّ الآيتين
__________________
(١) بحار الأنوار ، ج ٨ ، ص ١٤٠ ، كتاب العدل والمعاد ، الحديث ٥٧.
(٢) سورة التوبة : الآية ٦٨.