وعلى ضوء هذا ، إن الشفاعة عند الأمم ، مرفوضها ، ومقبولها ، يراد منها حط الذنوب ، ورفع العقاب ، وهي كذلك في الإسلام ، بلا فرق ، كما يوضحه قوله صلىاللهعليهوآله : «ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» (١).
وفي المقابل ذهبت المعتزلة إلى تخصيص آيات الشفاعة بأهل الطاعة ، دون العصاة ، وأن أثرها ينحصر في رفع الدرجة وزيادة الثواب. وما هذا التأويل في آيات الشفاعة إلا لأجل موقف مسبق لهم في مرتكب الكبيرة ، حيث حكموا بخلوده في النار إذا مات بلا توبة ، فلما رأوا أن القول بالشفاعة التي أثرها هو إسقاط العقاب ، ينافي ذلك المبنى ، أوّلوا آيات الله ، فقالوا إنّ أثر الشفاعة إنما هو زيادة الثواب ، ورفع الدرجة. وهذا المقام أحد المقامات التي يؤخذ المعتزلة فيها بالعتاب ، حيث قدّموا النهج على النقل الصريح ، وخالفوا في ذلك جميع المسلمين.
قال القاضي عبد الجبار ، منكرا شمول الشفاعة للعصاة : «إنّ شفاعة الفساق الذين ماتوا على الفسوق ولم يتوبوا تتنزل منزلة الشفاعة لمن قتل ولد الغير وترصد للآخر حتى يقتله ، فكما أنّ ذلك يقبح فكذلك هاهنا» (٢).
وما ذكره القاضي ، غفلة منه عن شروط الشفاعة ، فإنّ بعض الذنوب الكبيرة ، تقطع العلائق الإيمانية بالله سبحانه ، كما تقطع الأواصر الروحية مع النبي الأكرم ، فأمثال هؤلاء العصاة لا تشملهم الشفاعة ، وقد تقدم ذكر النصوص الدالة على حرمان طوائف منها.
والعجب أنّ القاضي استدل على أنّ الفاسق لا يخرج من النار بشفاعة النبي ، بقوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) (٣). وقوله تعالى : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) (٤).
__________________
(١) سنن أبي داود ، ج ٢ ، ص ٥٣٧ ، وصحيح الترمذي ، ج ٤ ، ص ٤٥ ، صحيح ابن ماجة ، ج ٢ ، ص ١٤٤١. مسند أحمد ، ج ٣ ، ص ٢١٣.
(٢) شرح الأصول الخمسة ، ص ٦٨٨.
(٣) سورة البقرة : الآية ٤٨.
(٤) سورة غافر : الآية ١٨.