والجواب : إنّ المراد من قوله سبحانه : (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) ، ليس أنّه هو الشفيع دون غيره ، إذ من الواضح أنّه سبحانه لا يشفع لأحد عند الغير ، بل المراد أنّه المالك لمقام الشفاعة دون غيره ، فليس في الوجود من يملك المغفرة والشفاعة وغيرهما مما هو من شئونه سبحانه ، غيره.
ولكن هذا لا ينافي أن يملكها الغير بتمليك منه سبحانه ، وفي طول ملكه ، كما هو صريح قوله سبحانه : (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (١) ، فإن الاستثناء في قوله : (إِلَّا) يرجع إلى قوله : (لا يَمْلِكُ). فتكون النتيجة أنّه يملك من شهد بالحق ، الشفاعة ، لكن بتمليك منه سبحانه : فهو المالك بالأصالة ، وغيره مالك بالتمليك والعرض.
وليس هذا مختصا بالشفاعة المصطلحة بل الشفاعة التكوينية أيضا كذلك ، لأن الأثر الطبيعي لجميع الأسباب التكوينية ، يرجع إليها لكن بتسبيب منه سبحانه ، فلو لا أنّه جعل النار حارة ، والشمس مضيئة ، والقمر نورا ، لا تجد فيها تلك الآثار.
الوجه الخامس :
إنّ طلب الشفاعة من الميت أمر باطل.
والجواب : إنّ هذا آخر سهم في كنانة القائلين بحرمة طلب الشفاعة من أولياء الله الصالحين ، والإشكال ناجم من عدم التعرف على مقام الأولياء في كتاب الله الحكيم. وقد عرفت أنّ القرآن يصرّح بحياة جموع كثيرة من الشهداء وغيرهم ، كما عرفت أنّ يصرح بكون النبي شهيدا على الأمة في قوله سبحانه : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) (٢). فهل تعقل الشهادة بدون الحياة ، والاطلاع على ما يجري بينهم من الأمور ، من كفر وإيمان وطاعة وعصيان؟. فلو كان النبي ميّتا كسائر الأموات ، فما معنى التسليم
__________________
(١) سورة الزخرف : الآية ٨٦.
(٢) سورة النساء : الآية ٤١.