والجواب
إنّ القول بأنّ دعاء الغير في جميع الظروف مساوق للعبادة ، شيء لا أساس له ، وإلا يلزم أن لا يسجّل اسم أحد في سجل الموحدين ، فإنّ الناس لا ينفكّون عن التعاون ، واستعانة بعضهم ببعض ، ودعوة الواحد منهم الآخر. وعلى ذلك فيجب أن يقال إنّ قسما ـ فحسب ـ من الدعاء مساوق للعبادة ، وهو دعاء الشخص بما أنّه إله ، وبما أنّه رب ، أو بما أنّه مفوّض إليه أفعاله سبحانه. فدعاؤه بهذه الخصوصيات ، مساوق لعبادته.
والآية ناظرة إلى هذا القسم من الدعاء بقرينة قوله (مَعَ اللهِ) ، معربا عن أنّ الداعي يرى المدعو مشاركا لله سبحانه في مقام أو مقامات ، ومن المعلوم أنّ الدعاء بهذه الخصوصية شرك بلا إشكال ، والمشركون في الجاهلية ، كانوا يسوون بين الأوثان ورب العالمين ، ويدل عليه قوله سبحانه ـ حاكيا قولهم يوم القيامة ـ : (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ* إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (١).
فأي كلمة أظهر من التعبير عن عقيدة المشركين في حق الأوثان بأنها كانت عندهم ورب العالمين ، سواسية.
فقياس دعوة الصالحين من الأنبياء والأولياء ، بدعوة الأصنام والأوثان ، قياس مع الفارق البالغ ، لا يعتمد عليه إلا من سبق له الرأي في هذا المجال ، ويريد التمسك بالطحلب والحشيش.
الوجه الرابع :
إنّ الشفاعة حق مختص بالله لا يملكه غيره ، وعلى ذلك فطلبها من غير مالكها أمر غير صحيح ، قال سبحانه : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ ، قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ* قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً ...) (٢).
__________________
(١) سورة الشعراء : الآيتان ٩٧ و ٩٨.
(٢) سورة الزمر : الآيتان ٤٣ و ٤٤.