الصالحون. فعطف هذا على ذلك ، جور في القضاء ، وعناد في الاستدلال.
وأما الاستدلال بالآية الثانية ، فهو ضعيف من وجهين :
الأول : إنّ الآية على خلاف ما يدّعيه أدلّ ، لأنّ عطف (وَيَقُولُونَ) ، على قوله: (وَيَعْبُدُونَ) ، دليل على أنّ العمل الثاني ليس عبادة ، أخذا بحكم العطف الدال على المغايرة. وبعبارة أخرى : إنّ المشركين كانوا يقومون بعملين ، العبادة أوّلا ، وقولهم هم شفعاؤنا ، وطلب الشفاعة منهم ثانيا ، وعلة اتّصافهم بالشرك هو الأوّل لا الثاني.
الثاني : لو فرضنا أنّ الجملة الثانية ، جملة تفسيرية للأولى ، فنقول : إنّ توصيف طلب الشفاعة من الأوثان بالعبادة لا يستلزم توصيف طلب الشفاعة من الأولياء بها أيضا ، لما عرفت من الاختلاف في العقيدة ، وأنّ الشافعين كانوا عند عبدة الأصنام آلهة ، وعند المؤمنين عبادا صالحين ، وأين هذا من ذاك؟!.
الوجه الثالث :
إن طلب الحاجة من غيره سبحانه حرام ، فإن ذلك دعاء لغير الله ، وهو حرام.
قال سبحانه : (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) (١).
ويدل على أنّ الدعاء في الآية عبادة ، قوله سبحانه : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) (٢). فقد عبّر عن العبادة في الآية بلفظ «الدعوة» في صدرها ، وبلفظ العبادة في ذيلها ، وهذا يكشف عن وحدة التعبيرين في المعنى. وقد ورد عنه صلىاللهعليهوآله : «الدعاء مخ العبادة».
__________________
(١) سورة الجن : الآية ١٨.
(٢) سورة غافر : الآية ٦٠.