يكون بمنزلة من لم يسئ. وإن تساويا يكون مساويا لمن يصدر عنه أحدهما ، وهو نفس الظلم(١).
يلاحظ عليه : إنّ الإحباط إنما يعدّ ظلما ، ويشمله هذا الدليل ، إذا كان الأكثر من الإساءة مؤثرا في سقوط الأقل من الطاعة بالكلية ، من دون أن تؤثر الطاعة القليلة في تقليل الإساءة الكثيرة ، كما عليه أبو علي الجبائي. وأما على القول بالموازنة ، كما هو المحكي عن ابنه أبي هاشم ، فلا يلزم الظلم ، وصورته أن يأتي المكلّف بطاعة استحق عليها عشرة أجزاء من الثواب ، وبمعصية استحق عليها عشرين جزء من العقاب ، فلو قلنا بأنّه يحسن من الله سبحانه أن يفعل به عشرين جزء من العقاب ، ولا يكون لما استحقه من الطاعة أيّ تأثير ، للزم منه الظلم. وأما إذا قلنا بأنه يقبح من الله تعالى ذلك ، ولا يحسن منه أن يفعل به من العقاب إلا عشرة أجزاء ، وأما العشرة الأخرى فإنها تسقط بالثواب الذي استحقه على ما أتي به من الطاعة ، فلا يلزم ذلك.
يقول القاضي عبد الجبار ، بعد نقل مذهب أبي هاشم : «ولعمري إنه القول اللائق بالله تعالى ، دون ما يقوله أبو علي ، والذي يدل على صحته هو أنّ المكلّف أتى بالطاعات على الحد الذي أمر به ، وعلى الحد الذي لو أتى به منفردا عن المعصية لكان يستحق عليها الثواب ، فيجب أن يستحق عليها الثواب ، وإن دنّسها بالمعصية ، إلا أنّه لا يمكن والحالة هذه أن يوفر عليه ، على الحد الذي يستحقه ، لاستحالته ، فلا مانع من أن يزول من العقاب بمقداره ، لأنّ دفع الضرر كالنفع في أنّه مما يعد في المنافع».
ثم قال : «فأمّا على مذهب أبي علي فيلزم أن لا يكون قد رأى صاحب الكبيرة ، شيئا مما أتى به من الطاعات ، وقد نصّ الله تعالى على خلافه» (٢).
والأولى أن يستدلّ على بطلان الإحباط بأنه يستلزم خلف الوعد إذا كان الوعد منجزا ، كما هو في محل النزاع ، وأما إذا كان مشروطا بعدم لحوق العصيان
__________________
(١) كشف المراد ، ص ٢٦٠.
(٢) شرح الأصول الخمسة ، ص ٦٢٩.